كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 6)

وسنذكُر ذلك، وقد كان العُلماءُ قديمًا وحديثًا يُحذِّرونَ النّاس من مذهب المَكِّيينَ أصحابِ ابن عبّاس ومن سلكَ سبيلَهم في المُتْعةِ والصَّرفِ، ويُحذِّرونَ النّاسَ من مذهب الكُوفيِّينَ أصحابِ ابن مسعُود ومَن سلكَ سبيلَهُم، في النَّبيذِ الشَّديد، ويُحذِّرون النّاسَ من مذهبِ أهل المدينةِ في الغناءِ.
وقد رُوي عن النِّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في تحريم نكاح المُتْعةِ مِمّا قد ذكرناه ما فيه شِفاءٌ، وليسَ أحدٌ من خلقِ الله إلّا يُؤخَذُ من قولهِ ويُتركُ، إلّا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -.
حدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ الجُهنيُّ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن محمدٍ المكِّيُّ، قال: حدَّثنا عليُّ بن عبدِ العزيز (¬١)، قال: حدَّثنا أبو عُبيد، قال: حدَّثنا ابنُ بُكير، عن اللِّيثِ، عن بُكيرِ بن عبدِ الله بن الأشَجِّ، عن عمّارٍ مولى الشَّريدِ، قال: سألتُ ابن عبّاسٍ عن المُتعةِ، أسِفاحٌ هي أم نِكاحٌ؟ فقال ابنُ عبّاسٍ: لا سِفاحٌ ولا نِكاحٌ. قلتُ: فما هي؟ قال: هي المُتعةُ، كما قال اللهُ. قلتُ: هل لها من عِدَّةٍ؟ قال: نعم، عِدَّتُها حَيْضةٌ. قلتُ: يتَوارثانِ؟ قال: لا (¬٢).
وأجمعُوا أنَّ المُتْعة نِكاحٌ لا إشهادَ فيه، ولا وليَّ، وأنَّهُ نِكاحٌ إلى أجَل، تَقعُ فيه الفُرقةُ بلا طلاق، ولا مِيراثَ بينهما، وهذا ليسَ حُكمَ الزَّوجاتِ في كتابِ الله، ولا سُنَّةِ رسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -.
حدَّثنا أحمدُ بن قاسم بن عبدِ الرَّحمنِ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبَغَ، قال: أخبرنا الحارِثُ بن أبي أُسامةَ، قال (¬٣): حدَّثنا بِشْرُ بن عُمرَ، قال: حدَّثنا نافِعُ بن عُمرَ، عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عائشةَ كانت إذا سُئلت عن المُتْعةِ، قالت: بَيْني
---------------
(¬١) في ر ١، ض: "حدَّثنا عبد العزيز".
(¬٢) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الناسخ والمنسوخ، ص ١٠٣، ومن طريقه أخرجه الجصاص في أحكام القرآن ٣/ ٩٥.
(¬٣) بغية الباحث (٤٧٨).

الصفحة 540