كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 6)

والقول الثّاني: رُوي عن عُمرَ بن الخطّابِ، والحسنِ بن أبي الحسنِ: أنَّهُما كانا يتأوَّلانِ قولَه: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ}: أنَّهُ إذا تمتَّعَ بالعُقْدة (¬١)، ثُمَّ طلَّقها، فلها نصفُ الصَّداقِ، وإن وَطِئَ، فلها الصَّداقُ كلُّهُ، ولا جُناح عليهما فيما تراضَيا به من بعدِ الفَرِيضةِ، فتترُكُ (¬٢) المرأةُ للزَّوج الصَّداقَ، وهو قولُه: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)} [النساء: ٤] فتَعْفُو المرأةُ عن صَداقِها، أو يعفُو الزَّوجُ عن النِّصفِ، إن طلَّقَ قبل أن يَطَأها، فيُتِمُّ لها الصَّداقَ (¬٣).
وإلى هذا ذهَبَ جماعةٌ من أهلِ العلم، قالوا: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} بالنِّكاح والوَطْء: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٤] وهو الصَّداقُ كاملًا، وإن اسْتمتعتم بالنِّكاح، ولم تَطَؤوا، فنصفُ الصَّداقِ، وإنْ كُنتم قد سمَّيتم ذلك {فَرِيضَةً} يقول: أُجورُهنَّ فريضةٌ (¬٤) من الله عليكم: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: ٢٤] مثلَ قولِه: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧].
فهذان القولانِ عليهما أهلُ العلم إلى اليوم، في جميع أمْصارِ المُسلمينَ، مُخالفينَ لابن عبّاس في ذلك، على أنَّهُ قد رُوي عن ابن عبّاس:
أخبرنا عبدُ الوارِثِ بن سُفيان، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن إسماعيلَ التِّرمذيُّ. وحدَّثنا خلفُ بن قاسم، قال: حدَّثنا عُمرُ بن محمدٍ بن (¬٥) القاسمُ، قال: حدَّثنا بكرُ بن سَهْل الدِّمياطيّ، قالا: حدَّثنا عبدُ الله بن صالح،
---------------
(¬١) في ض: "بالمعتدة".
(¬٢) في م: "فترك"، ولا يسوغ.
(¬٣) انظر: تفسير عبد الرزاق ١/ ١٥٤، وتفسير الطبري ٨/ ١٧٦، وتفسير ابن أبي حاتم ٣/ ٩١٩.
(¬٤) قوله: يقول: "أجورهنَّ فريضة" سقط من ر ١، ض.
(¬٥) هذا الحرف سقط من م.

الصفحة 543