كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 6)

سعدٌ على العراقِ، فقَتَل قومًا على ردَّةٍ فأضَرَّ بهم، واسْتَتابَ قومًا سَجَعوا سَجْعَ مُسَيْلِمَةَ فتابُوا فانتَفَعُوا (¬١).
قال أبو عُمر: ممَّا يُشْبِهُ قولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لسعدٍ (¬٢) هذا الكلامَ، قولُه للرجلِ الشَّعِثِ الرَّأْسِ: "ما لَه، ضَرَب اللهُ عُنُقَه؟ ". فقال: الرجلُ في سبيلِ الله؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "في سبيلِ الله". فقُتِل الرجلُ في تلك الغَزَاةِ (¬٣).
ومثلُه قولُه - صلى الله عليه وسلم - في غزو مُؤْتةَ: "أميرُكم زيدُ بنُ حارثةَ، فإن قُتِل فجعفرُ بنُ أبي طالبٍ، فإن قُتِل فعبدُ الله بنُ رواحةَ". فقال بعضُ أصحابِه: نَعَى إليهم أنفُسَهم. فقُتِلوا ثَلاثَتهم في تلك الغَزَاةِ (¬٤).
ومثلُ ذلك قصةُ عامِرِ بنِ سنانٍ حينَ ارْتَجز برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سيرِه إلى خيبرَ، فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "غفَر لك ربُّك يا عامرُ". فقال له عمرُ: يا رسولَ الله، لو أمْتَعْتَنا به؟ قال: وذلك أنَّه ما استَغْفَر لإنسانٍ قَطُّ يَخصُّه بذلك إلَّا اسْتُشْهِد، فاسْتُشْهِد عامِرٌ يومَ خيبرَ (¬٥).
وهذا كلُّه ليس بتصريح مِن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في القولِ، ولا يَبِين في المرادِ والمعنى، ولكنَّه كان يخرُجُ كلُّه كما ترَى، وقد خُلِّفَ سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ بعدَ
---------------
(¬١) أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ١٣/ ٢٢٢ بإثر الحديث (٥٢٢٣)، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٠/ ٣٣٧ من طريقين عن عبد الله بن وهب، به.
وذكره الجوهريّ في مسند الموطأ، ص ٢٠٧ بإثر الحديث (٢١٧) عن ابن وهب، به.
(¬٢) قوله: "لسعد" لم يرد في الأصل، وهو ثابت في ف ٢، ج.
(¬٣) أخرجه مالك في الموطّأ ٢/ ٤٩٧ (٢٦٤٤) عن زيد بن أسلم، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهو الحديث الثاني لزيد بن أسلم، وقد سلف تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(¬٤) سلف تخريجه في سياق شرح الحديث المشار إليه في التعليق السابق.
(¬٥) سلف تخريجه في سياق شرح الحديث المشار إليه في التعليق السابق أيضًا.

الصفحة 61