كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 6)

بالجنون والخلل المفرط لتواترها بينهم. وهذا الشريف الّذي يشيرون إليه هو من الهواشم، وهو شكر بن أبي الفتوح الحسن بن أبي جعفر بن هاشم محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن إدريس، وأبوه الفتوح هو الّذي خطب لنفسه بمكة أيام الحاكم العبيديّ وبايع له بنو الجرّاح أمراء طيِّئ بالشام، وبعثوا عنه فوصل إلى أحيائهم وبايع له كافة العرب. ثم غلبتهم عساكر الحاكم العبيديّ ورجع إلى مكة، وهلك سنة ثلاثين وأربعمائة فولي بعده ابنه شكر هذا، وهلك سنة ثلاث وخمسين وولي ابنه محمد الّذي يزعم هؤلاء الهلاليون أنه من الجازية هذه. وتقدّم ذلك في أخبار العلوية هكذا نسبه ابن حزم.
(وقال ابن سعيد) : هو من السلمانيين من ولد محمد بن سليمان بن داود بن حسن بن الحسين السبط الّذي بايع له أبو الزاب [1] الشيبانيّ بعد ابن طباطبا، ويسمّى الناهض. ولحق بالمدينة فاستولى على الحجاز واستقرت إمارة ملكه في بنيه إلى أن غلبهم عليها هؤلاء الهواشم. جدّا قريبا من الحسن والحسين [2] . وأمّا هاشم الأعلى فمشترك بين سائر الشرفاء، فلا يكون مميزا لبعضهم عن بعض. وأخبرني من أثق به من الهلاليّين لهذا العهد أنه وقف على بلاد الشريف شكر وأنها بقعة من أرض نجد مما يلي الفرات، وأنّ ولده بها لهذا العهد والله أعلم.
ومن مزاعمهم أنّ الجازية لما صارت إلى إفريقية وفارقت الشريف، خلفه عليها منهم ماض بن مقرّب [3] من رجالات دريد، وكان المستنصر لما بعثهم إلى إفريقية عقد لرجالاتهم على أمصارها وثغورها، وقلّدهم أعمالها، فعقد لموسى بن يحيى المرداسي على القيروان وباجة، وعقد لزغبة على طرابلس وقابس، وعقد لحسن بن سرحان على قسنطينة [4] ، فلما غلبوا صنهاجة على الأمصار، وملك كل ما عقد له سميت الرعايا بالأمصار عسفهم وعيثهم باختلاف الأيدي، إذ الوازع مفقود من أهل هذا
__________
[1] وفي النسخة التونسية: ابو السرايا.
[2] الظاهر من السياق سقوط عبارة أثناء النسخ، وفي النسخة التونسية: وما ذكره ابن حزم أصح، لأنهم جميعا يقولون فيه الشريف ابن هاشم يميزونه بذلك عن سائر الشرفاء. ولا يصح ذلك إلا أن يكون هاشم أو أبو هاشم جدا قريبا من الحسن والحسين.
[3] وفي نسخة أخرى: مغرب.
[4] وفي نسخة أخرى قسطنطينة وهذا تحريف وقسنطينية المقصودة هنا: وهي مدينة وقلعة يقال لها قلعة الهواء وهي قلعة كبيرة جدا حصينة عالية لا يصلها الطير إلا بجهد، وهي من حدود إفريقية مما يلي المغرب (معجم البلدان) .

الصفحة 26