كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 6)
[المجلد السادس]
[تتمة الكتاب الثاني ... ]
[تتمة القول في أجيال العرب ... ]
الطبقة الرابعة من العرب المستعجمة أهل الجيل الناشئ لهذا العهد من بقية أهل الدولة الإسلامية من العرب
لما استقلّت مضر وفرسانها وأنصارها من اليمن بالدولة الإسلامية، فيمن تبع دينهم من إخوانهم ربيعة ومن وافقهم من الأحياء اليمنيّة، وغلبوا الملل والأمم على أمورهم، وانتزعوا الأمصار من أيديهم، وانقلبت أحوالهم من خشونة البداوة وسذاجة الخلافة إلى عزّ الملك وترف الحضارة، ففارقوا الحلل وافترقوا على الثغور البعيدة والأقطار البائنة عن ممالك الإسلام، فنزلوا بها حامية ومرابطين عصبا وفرادى. وتناقل الملك من عنصر إلى عنصر ومن بيت الى بيت، واستفحل ملكهم في دولة بني أميّة وبني العبّاس من بعدهم بالعراق، ثم دولة بني أمية الأخرى بالأندلس، وبلغوا من الترف والبذخ ما لم تبلغه دولة من دول العرب والعجم من قبلهم، فانقسموا في الدنيا ونبتت أجيالهم في ماء النعيم، واستأثروا مهاد الدعة واستطابوا خفض العيش، وطال نومهم في ظلّ الغرف والسلم، حتى ألفوا الحضارة ونسوا عهد البادية وانفلتت من أيديهم الملكة التي نالوا بها الملك، وغلبوا الأمم من خشونة الدين وبداوة الأخلاق، ومضاء المضرب.
الصفحة 3
632