كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 6)

(الخبر عن زغبة وبطونهم من هلال بن عامر من هذه الطبقة الرابعة)
هذه القبيلة إخوة رياح، ذكر ابن الكلبي أن زغبة ورياحا أبناء أبي ربيعة بن نهيك ابن هلال بن عامر هكذا نسبهم، وهم لهذا العهد مما يزعمون أنّ عبد الله يجمعهم، بكسر دال عبد، ولم يذكر ابن الكلبي ذلك، وذكر عبد الله في ولد هلال، فلعل انتسابهم إليه بما كلفهم واشتهر دونهم، وكثيرا ما يقع مثل هذا في أنساب العرب أعني انتساب الأبناء لعمهم أو كافلهم والله أعلم.
وكانت لهم عزة وكثرة عند دخولهم إفريقية وتغلبوا على نواحي طرابلس وقابس، وقتلوا سعيد بن خزرون من ملوك مغراوة بطرابلس. ولم يزالوا بتلك الحال إلى أن غلب الموحدون على إفريقية، وثار بها ابن غانية، وتحيزت إليه أفاريق هلال بن رياح وجشم، فنزعت زغبة إلى الموحدين، وانحرفوا عن غانية فرعوا له حق نزوعهم، وصاروا يدا واحدة مع بني يادين من زناتة في حماية المغرب الأوسط من ابن غانية واتباعه، واتصلت مجالاتهم ما بين المسيلة وقبلة تلمسان في القفار، وملك بنو يادين وزناتة عليهم التلول.
(ولما ملكت زناتة) بلاد المغرب الأوسط ونزلوا بأمصاره، دخل زغبة هؤلاء التلول وتغلبوا فيها، ووضعوا الإتاوة على الكثير من أهلها بما جمعهم وزناتة من البداوة وعصبية الحلف، وخلا قفرهم من ظعونهم وحمايتهم فطرقته عرب المعقل المجاورون لهم من جانب المغرب، وغلبوا على من وجدوا من مخلف زغبة هؤلاء بتلك القفار، وجعلوا عليهم خفارة يأخذونها من إبلهم، ويختارون عليهم البكرات منها. وأنفوا بذلك وتآمروا وتعاقدوا على دفع هذه الهضمة، وتولى كبرها من بطونهم ثوابة بن جوثة من سديد كما نذكره بعد، فدفعوهم عن أوطانهم من ذلك القفر. ثم استفحلت دولة زنانة وكفحوا العرب عن وطن تلولهم لما انتشأ عنهم من العيث والفساد فرجعوا إلى صحرائهم، وملكت الدولة عليهم التلول والحبوب، واستصعب الميرة وهزل الكراع، وتلاشت أحوالهم وضربت عليهم البعوث، وأعطوا الإتاوة والصدقة حتى إذا فشل ريح زناتة وداخل الهرم دولتهم، وانتزى الخوارج من قرابة الملك بالقاصية

الصفحة 54