كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

(قَوْلُهُ بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قُدُومِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَقَوْلُهُ لِيَتَأَلَّفَهُمْ مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ فَالْحَالَةُ الْأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا بِبَابٍ وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ دَوْسٍ وَسَيَأْتِي شَرْحُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ بَابُ دَعْوَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَيْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى مَا يُقَاتِلُونَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ عَنْ عَلِيٍّ حَيْثُ قَالَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا وَفِيهِ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالنُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ دُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْقِتَالُ وَوَجْهُ أَخْذِهِ مِنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى الرُّومِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى مُقَاتَلَتِهِمْ قَوْلُهُ وَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَابِ مُسْنَدًا وَقَوْلُهُ وَالدَّعْوَةُ قَبْلَ الْقِتَال كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى حَدِيث بن عَوْنٍ فِي إِغَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَلَى غِرَّةٍ وَهُوَ مُتَخَرَّجٌ عِنْدَهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِاشْتِرَاطِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ عَلَى أَنَّهُ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى اشْتِرَاطِ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ قَبْلَ انْتِشَارِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لَمْ يُقَاتَلْ حَتَّى يُدْعَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ قُوتِلَ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ لِاشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ فَالدَّعْوَةُ أَقْطَعُ لِلشَّكِّ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ كُنَّا نَدْعُو وَنَدَعُ قُلْتُ وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْحَالين

الصفحة 108