كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

وَالْحِكْمَةُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَكَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرُّوا عَنْهُ حَتَّى يَمُوتُوا دُونَهُ وَذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ثَالِثُهَا حَدِيثُ سَلَمَةَ فَقَوْلُهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ هِيَ كُنْيَةُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَالْقَائِلُ فَقُلْتُ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَاهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ ثُلَاثِيَّاتِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي الْأَحْكَامِ أَيْضًا وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بن الْمُنِيرِ الْحِكْمَةُ فِي تَكْرَارِهِ الْبَيْعَةَ لِسَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ مِقْدَامًا فِي الْحَرْبِ فَأَكَّدَ عَلَيْهِ الْعَقْدَ احْتِيَاطًا قُلْتُ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يُقَاتِلُ قِتَالَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ فَتَعَدَّدَتِ الْبَيْعَةُ بِتَعَدُّدِ الصِّفَةِ رَابِعُهَا حَدِيثُ أَنَسٍ كَانَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى خَامِسهَا حَدِيث مجاشع وَهُوَ بن مَسْعُودٍ وَأَخُوهُ اسْمُهُ مُجَالِدٌ بِجِيمٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ عَزْمِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ)
الْمُرَادُ بِالْعَزْمِ الْأَمْرُ الْجَازِمُ الَّذِي لَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَثَلًا مَحَلُّهُ وَالْمَعْنَى وُجُوبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَهُمْ بِهِ طَاقَةٌ قَوْلُهُ قَالَ عبد الله أَي بن مَسْعُودٍ وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ

[2964] قَوْلُهُ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ قَوْلُهُ مُؤْدِيًا بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ خَفِيفَةٍ أَيْ كَامِلَ الْأَدَاءِ أَيْ أَدَاةَ الْحَرْبِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ الْهَمْزَةِ مِنْهُ لِئَلَّا يَصِيرَ مِنْ أَوْدَى إِذَا هَلَكَ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَعْنَاهُ قَوِيًّا وَكَأَنَّهُ فَسَرَّهُ بِاللَّازِمِ وَقَوْلُهُ نَشِيطًا بِنُونٍ وَبِمُعْجَمَةٍ مِنَ النَّشَاطِ قَوْلُهُ نَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا كَذَا فِي الرِّوَايَةِ بِالنُّونِ مِنْ قَوْلِهِ نَخْرُجُ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ رَجُلًا أَحَدُنَا أَوْ هُوَ مَحْذُوفُ الصِّفَةِ أَيْ رَجُلًا مِنَّا وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ الْكِرْمَانِيُّ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَفِيهِ حِينَئِذٍ الْتِفَاتٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ بَدَلَ النُّونِ وَفِيهِ أَيْضًا الْتِفَاتٌ قَوْلُهُ لَا نُحْصِيهَا أَيْ لَا نُطِيقُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَلِمَ أَن لن تحصوه وَقِيلَ لَا نَدْرِي أَهِيَ طَاعَةٌ أَمْ مَعْصِيَةٌ وَالْأَوَّلُ مُطَابِقٌ لِمَا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ فَتَرْجَمَ بِهِ وَالثَّانِي مُوَافق لقَوْل بن مَسْعُودٍ وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلًا فَشَفَاهُ مِنْهُ أَيْ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ أَنْ لَا يُقْدِمَ الْمَرْءُ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَيَدُلُّهُ عَلَى مَا فِيهِ شِفَاؤُهُ وَقَوْلُهُ شَكَّ نَفْسُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَقْلُوبِ إِذِ التَّقْدِيرُ وَإِذَا شكّ نَفسه فِي شَيْءٌ أَوْ ضَمَّنَ شَكَّ مَعْنَى لَصِقَ وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ مَا يَتَرَدَّدُ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِهِ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَفْعَلَهُ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَعْزِمُ أَوْ للعزم الَّذِي

الصفحة 119