كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ مَرَّةً وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرجل سَأَلَ بن مَسْعُود عَن حكم طَاعَة الْأَمِير فَأَجَابَهُ بن مَسْعُودٍ بِالْوُجُوبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ مُوَافِقًا لِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ مَا غَبَرَ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ مَضَى وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى مَا مَضَى وَعَلَى مَا بَقِي وَهُوَ هُنَا مُحْتَمل للامرين قَالَ بن الْجَوْزِيِّ هُوَ بِالْمَاضِي هُنَا أَشْبَهُ كَقَوْلِهِ مَا أَذْكُرُ وَالثَّغْبُ بِمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا قَالَ الْقَزَّازُ وَهُوَ أَكْثَرُ وَهُوَ الْغَدِيرُ يَكُونُ فِي ظِلٍّ فَيَبْرُدُ مَاؤُهُ وَيَرُوقُ وَقِيلَ هُوَ مَا يَحْتَفِرُهُ السَّيْلُ فِي الْأَرْضِ الْمُنْخَفِضَةِ فَيَصِيرُ مِثْلَ الْأُخْدُودِ فَيَبْقَى الْمَاءُ فِيهِ فَتَصْفِقُهُ الرِّيحُ فَيَصِيرُ صَافِيًا بَارِدًا وَقِيلَ هُوَ نُقْرَةٌ فِي صَخْرَةٍ يَبْقَى فِيهَا الْمَاءُ كَذَلِكَ فَشَبَّهَ مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا بِمَا شُرِبَ مِنْ صَفْوِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْهَا بِمَا تَأَخَّرَ مِنْ كدره وَإِذا كَانَ هَذَا فِي زمَان بن مَسْعُودٍ وَقَدْ مَاتَ هُوَ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ وَوُجُودِ تِلْكَ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ فَمَاذَا يَكُونُ اعْتِقَادُهُ فِيمَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَلُمَّ جَرَّا وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَأما توقف بن مَسْعُودٍ عَنْ خُصُوصِ جَوَابِهِ وَعُدُولِهِ إِلَى الْجَوَابِ الْعَامِّ فَلِلْإِشْكَالِ الَّذِي وَقَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي بَقِيَّةِ حَدِيثِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّوَقُّفُ فِي الْإِفْتَاءِ فِيمَا أُشْكِلَ مِنَ الْأَمْرِ كَمَا لَوْ أَنَّ بَعْضَ الْأَجْنَادِ اسْتَفْتَى أَنَّ السُّلْطَانَ عَيَّنَهُ فِي أَمْرٍ مَخُوفٍ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَكَلَّفَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُطِيقُ فَمَنْ أَجَابَهُ بِوُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ أَشْكَلَ الْأَمْرَ لِمَا وَقَعَ مِنَ الْفَسَادِ وَإِنْ أَجَابَهُ بِجَوَازِ الِامْتِنَاعِ أَشْكَلَ الْأَمْرَ لِمَا قَدْ يُفْضِي بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْفِتْنَةِ فَالصَّوَابُ التَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ فِي ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ

(قَوْلُهُ بَابُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ)
()
أَيْ لِأَنَّ الرِّيَاحَ تَهُبُّ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَحْصُلُ بِهَا تَبْرِيدُ حِدَّةِ السِّلَاحِ وَالْحَرْبِ وَزِيَادَةٌ فِي النَّشَاطِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى بِمَعْنَى مَا تَرْجَمَ بِهِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَنْهَضَ إِلَى عَدُوِّهِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ من وَجه آخر عَن بن أَبِي أَوْفَى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْهِلُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ يَنْهَضُ إِلَى عَدُوِّهِ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِزْيَةِ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الْأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَصَحَّحَاهُ وَفِي رِوَايَتِهِمْ حَتَّى

الصفحة 120