كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

خَمْسُمِائَةِ عَامٍ فَإِنْ كَانَتَا مَحْفُوظَتَيْنِ كَانَ اخْتِلَافُ الْعَدَدِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اخْتِلَافِ السَّيْرِ زَادَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَوْ أَنَّ الْعَالَمِينَ اجْتَمَعُوا فِي إِحْدَاهُنَّ لَوَسِعَتْهُمْ قَوْلُهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ الْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ هُنَا الْأَعْدَلُ وَالْأَفْضَلُ كَقَوْلِه تَعَالَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا فَعَلَى هَذَا فَعَطَفَ الْأَعْلَى عَلَيْهِ لِلتَّأْكِيدِ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ المُرَاد بِأَحَدِهِمَا الْعُلُوّ الْحسي وبالآخر الْعُلُوّ الْمَعْنَوِيّ وَقَالَ بن حِبَّانَ الْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ السَّعَةُ وَبِالْأَعْلَى الْفَوْقِيَّةُ قَوْلُهُ وَأرى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ فُلَيْحٍ فَلَمْ يَشُكَّ مِنْهُمْ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ أَيْ مِنَ الْفِرْدَوْسِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْعَرْشِ فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا أَيْ مِنَ الدَّرَجَةِ الَّتِي فِيهَا الْفِرْدَوْسُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مَسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ قَالَ الْفِرْدَوْسُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَفْضَلُهَا وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادِهِ هَذَا فَلَمْ يَشُكَّ كَمَا شَكَّ يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ بَلْ جَزَمَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ وَهُوَ وَهْمٌ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُدْرِكْهُ قُلْتُ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْهُ بِتَمَامِهِ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِهِ هُنَاكَ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ وَالْفِرْدَوْسُ هُوَ الْبُسْتَانُ الَّذِي يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْعِنَبُ وَقِيلَ هُوَ بِالرُّومِيَّةِ وَقِيلَ بِالْقِبْطِيَّةِ وَقِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لَلْمُجَاهِدِينَ وَفِيهِ عِظَمُ الْجَنَّةِ وَعِظَمُ الْفِرْدَوْسِ مِنْهَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ دَرَجَةَ الْمُجَاهِدِ قَدْ يَنَالُهَا غَيْرُ الْمُجَاهِدِ إِمَّا بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ أَوْ بِمَا يُوَازِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْجَمِيعَ بِالدُّعَاءِ بِالْفِرْدَوْسِ بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ أَعَدَّ لِلْمُجَاهِدِينَ وَقِيلَ فِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ بِمَا لَا يَحْصُلُ لِلدَّاعِي لِمَا ذَكَرْتُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله حَدثنَا مُوسَى هُوَ بن إِسْمَاعِيل وَجَرِير هُوَ بن حَازِمٍ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ تَقَدَّمَ بِطُولِهِ فِي الْجَنَائِزِ وَهَذِهِ الْقِطْعَةُ شَاهِدَةٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَمُفَسِّرَةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْسَطِ الْأَفْضَلُ لِوَصْفِهِ دَارَ الشُّهَدَاءِ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بِأَنَّهَا أَحْسَنُ وَأفضل

الصفحة 13