كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

(قَوْلُهُ بَابُ الْغَدْوَةُ وَالرَّوْحَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
أَيْ فَضْلُهَا وَالْغَدْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْغُدُوِّ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى انْتِصَافِهِ وَالرَّوْحَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الرَّوَاحِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا قَوْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيِ الْجِهَادِ قَوْلُهُ وَقَابَ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَيْ قَدْرَهُ وَالْقَابُ بِتَخْفِيفِ الْقَافِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ مَعْنَاهُ الْقَدْرُ وَكَذَلِكَ الْقِيدُ بِكَسْرِ الْقَافِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ دَالٌ وَبِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الدَّالِ وَقِيلَ الْقَابُ مَا بَيْنَ مِقْبَضِ الْقَوْسِ وَسِيَتِهِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الْوَتَرِ وَالْقَوْسِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَوْسِ هُنَا الذِّرَاعُ الَّذِي يُقَاسُ بِهِ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى بَيَانُ فَضْلِ قَدْرِ الذِّرَاعِ مِنَ الْجَنَّةِ

[2792] قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ قَوْلُهُ لَغَدْوَةٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْغَدْوَةُ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ بِصِيغَةِ التَّعْرِيفِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَاللَّامُ لِلْقَسَمِ قَوْلُهُ خَيْرٌ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَنْزِيلِ الْمَغِيبِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ تَحْقِيقًا لَهُ فِي النَّفْسِ لِكَوْنِ الدُّنْيَا مَحْسُوسَةً فِي النَّفْسِ مُسْتَعْظَمَةً فِي الطِّبَاعِ فَلِذَلِكَ وَقَعَتِ الْمُفَاضَلَةُ بِهَا وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الدُّنْيَا لَا يُسَاوِي ذَرَّةً مِمَّا فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي يَحْصُلُ لِمَنْ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا لَأَنْفَقَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِي مَا رَوَاهُ بن الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَتَأَخَّرَ لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ تَسْهِيلُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَتَعْظِيمُ أَمْرِ الْجِهَادِ وَأَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْرُ سَوْطٍ يَصِيرُ كَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ أَمْرٌ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ بِمَنْ حَصَّلَ مِنْهَا أَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّأْخِيرِ عَنِ الْجِهَادِ الْمَيْلُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا فَنَبَّهَ هَذَا الْمُتَأَخِّرَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْيَسِيرَ مِنَ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا

[2793] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ قَوْلُهُ لَقَابُ قَوْسٍ فِي الْجَنَّةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِتَرْجَمَةِ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

[2794] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حَازِم هُوَ بن دِينَارٍ قَوْلُهُ الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ لَرَوْحَة بِزِيَادَة لَام الْقسم

الصفحة 14