كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

مَا هُوَ الْأَحَظُّ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَطَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْفِدَاءِ مِنْ أُسَارَى الْكُفَّارِ أَصْلًا وَعَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ لَا تُقْتَلُ الْأُسَارَى بَلْ يُتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِغَيْرِ فِدَاءٍ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ أَصْلًا لَا بِفِدَاءٍ وَلَا بِغَيْرِهِ فَيُرَدُّ الْأَسِيرُ حَرْبِيًّا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَظَاهِرُ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ لَكِنْ فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ ذِكْرُ الْقَتْلِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِّيُّ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِكَرَاهَةِ فِدَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ الْآيَةَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ حِلِّ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَ إِبَاحَةِ الْغَنِيمَةِ فَلَا كَرَاهَةَ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فقد حكى بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ اخْتِلَافًا أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَرْجَحُ مَا أَشَارَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَخْذِ الْفِدَاءِ أَوْ مَا أَشَارَ بِهِ عُمَرُ مِنَ الْقَتْلِ فَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ رَأْيَ عُمَرَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِمَا فِي الْقِصَّةِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْكِي لِمَا عُرِضَ عَلَى أَصْحَابِكَ مِنَ الْعَذَابِ لِأَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ وَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ حِينَئِذٍ وَلِمُوَافَقَةِ رَأْيِهِ الْكِتَابَ الَّذِي سَبَقَ وَلِمُوَافَقَةِ حَدِيثِ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي وَلِحُصُولِ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ بَعْدُ مِنْ دُخُولِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَالصُّحْبَةِ وَمَنْ وُلِدَ لَهُمْ مَنْ كَانَ وَمَنْ تَجَدَّدَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ وَحَمَلُوا التَّهْدِيدَ بِالْعَذَابِ عَلَى مَنِ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَيَحْصُلُ عَرَضُ الدُّنْيَا مُجَرَّدًا وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَحَدِيثُ عُمَرَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مُطَوَّلًا وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْض يَعْنِي يَغْلِبَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا الْآيَةَ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَكَرِيمَةَ وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ وَتَفْسِيرُ يُثْخِنَ بِمَعْنَى يَغْلِبَ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَزَادَ وَيُبَالِغَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ الْإِثْخَانُ الْقَتْلُ وَقِيلَ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ فِي الْأَرْضِ وَأَصْلُ الْإِثْخَانِ فِي اللُّغَةِ الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ مَنَعَ أَخْذَ الْفِدَاءِ مِنْ أُسَارَى الْكُفَّارِ وَحُجَّتُهُمْ مِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى أَنْكَرَ إِطْلَاقَ أَسْرَى كُفَّارِ بَدْرٍ عَلَى مَالٍ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ بَعْدُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قَالَ فَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ وَقَالَ الضَّحَّاكُ بَلْ قَوْلُهُ تَعَالَى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا نَسْخَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ بَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ كُلُّهَا فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ فَقَتَلَ بَعْضَ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ وَفَدَى بَعْضًا وَمَنَّ عَلَى بَعْضٍ وَكَذَا قَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَمَنَّ على بني المصطلق وَقتل بن خَطَلٍ وَغَيْرَهُ بِمَكَّةَ وَمَنَّ عَلَى سَائِرِهِمْ وَسَبَى هَوَازِنَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ فَدَلَّ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ إِنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَمُحَصِّلُ أَحْوَالِهِمْ تَخْيِيرُ الْإِمَامِ بَعْدَ الْأَسْرِ بَيْنَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ لِمَنْ شُرِعَ أَخْذُهَا مِنْهُ أَوِ الْقَتْلِ أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ أَوِ الْمَنِّ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِعِوَضٍ هَذَا فِي الرِّجَالِ وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَيُرَقُّونَ بِنَفْسِ الْأَسْرِ وَيَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِالْأَسِيرَةِ الْكَافِرَةِ بِأَسِيرٍ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلَمَةٍ عِنْدَ الْكُفَّارِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ زَالَ الْقَتْلُ اتِّفَاقًا وَهَلْ يَصِيرُ رَقِيقًا أَوْ تَبْقَى بَقِيَّةُ الْخِصَالِ قَوْلَانِ للْعُلَمَاء

الصفحة 152