كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

الْأُمِّيِّينَ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانَ بن صَيَّادٍ مِنْهُمْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِبَعْثَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ يَدَّعُونَ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْعَرَبِ وَفَسَادُ حُجَّتِهِمْ وَاضِحٌ جِدًّا لِأَنَّهُمْ إِذَا أَقَرُّوا بِأَنَّهُ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَسُولُهُ إِلَى الْعَرَبِ وَإِلَى غَيْرِهَا تَعَيَّنَ صِدْقُهُ فَوَجَبَ تَصْدِيقه قَوْله فَقَالَ بن صَيَّادٍ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَوْلُهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَرَسُولُهُ بِالْإِفْرَادِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِنَّمَا عَرَّضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَام على بن صَيَّادٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الدَّجَّالَ الْمُحَذَّرَ مِنْهُ قُلْتُ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَمْرَهُ كَانَ مُحْتَمَلًا فَأَرَادَ اخْتِبَارَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَجَابَ غَلَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ تَمَادَى الِاحْتِمَالُ أَوْ أَرَادَ بِاسْتِنْطَاقِهِ إِظْهَارَ كَذِبِهِ الْمُنَافِي لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ أَجَابَهُ بِجَوَابٍ مُنْصِفٍ فَقَالَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانَ بن صَيَّادٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْكَهَنَةِ يُخْبِرُ بِالْخَبَرِ فَيَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى فَشَاعَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي شَأْنِهِ وَحْيٌ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلُوكَ طَرِيقَةٍ يَخْتَبِرُ حَالَهُ بِهَا أَيْ فَهُوَ السَّبَبُ فِي انْطِلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ وَلَدَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ غُلَامًا مَمْسُوحَةٌ عَيْنُهُ وَالْأُخْرَى طَالِعَةٌ نَاتِئَةٌ فَأَشْفَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا يَمْكُثُ أَبُو الدَّجَّالِ وَأُمُّهُ ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَهُمَا ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلَامٌ أَضَرُّ شَيْءٍ وَأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً قَالَ وَنَعَتَهُمَا فَقَالَ أَمَّا أَبُوهُ فَطَوِيلٌ ضَرْبُ اللَّحْمِ كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ وَأَمَّا أُمُّهُ ففَرْضَاخَةٌ أَيْ بِفَاءِ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ وَبِمُعْجَمَتَيْنِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا ضَخْمَةٌ طَوِيلَةُ الْيَدَيْنِ قَالَ فَسَمِعْنَا بِمَوْلُودٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَذَهَبْتُ أَنَا وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ يَعْنِي بن صَيَّادٍ فَإِذَا هُمَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَ سَلْهَا كَمْ حَمَلَتْ بِهِ فَقَالَتْ حَمَلْتُ بِهِ اثَّنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَلَمَّا وَقَعَ صَاحَ صِيَاحَ الصَّبِي بن شَهْرٍ انْتَهَى فَكَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فِي إِرَادَةِ اسْتِكْشَافِ أَمْرِهِ قَوْلُهُ مَاذَا تَرَى قَالَ بن صَيَّادٍ يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَنَحْوِهِ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ أَرَى حَقًّا وَبَاطِلًا وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَهُ أَرَى صَادِقَيْنِ وَكَاذِبًا وَلِأَحْمَدَ أَرَى عَرْشًا عَلَى الْبَحْرِ حَوْلَهُ الْحِيتَانُ قَوْلُهُ قَالَ لُبِسَ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ خُلِطَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ تَعُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا قَوْلُهُ إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خِبْئًا بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزٌ وَبِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَمْزٌ أَيْ أَخْفَيْتُ لَكَ شَيْئًا قَوْلُهُ هُوَ الدُّخُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْفَتْحَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الزَّخُّ بِفَتْحِ الزَّايِ بَدَلَ الدَّالِّ وَفَسَّرَهُ بِالْجِمَاعِ وَاتفقَ الْأَئِمَّة على تغليطه فِي ذَلِكَ وَيَرُدُّهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ الدُّخَانَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ الدُّخُّ وَلِلْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ السُّورَةَ وَأَرَادَ بَعْضَهَا فَإِنَّ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَخَبَّأْتُ لَهُ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَان مُبين وَأما جَوَاب بن صَيَّادٍ بِالدُّخِّ فَقِيلَ إِنَّهُ انْدَهَشَ فَلَمْ يَقَعْ مِنْ لَفْظِ الدُّخَانِ إِلَّا عَلَى بَعْضِهِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْآيَةَ حِينَئِذٍ كَانَتْ مَكْتُوبَةً فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يهتد بن صَيَّادٍ مِنْهَا إِلَّا لِهَذَا الْقَدْرِ النَّاقِصِ عَلَى طَرِيقَةِ الْكَهَنَةِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ أَيْ قَدْرَ مِثْلِكَ مِنَ الْكُهَّانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ مِنْ إِلْقَاءِ شَيَاطِينِهِمْ مَا يَحْفَظُونَهُ مُخْتَلَطًا صِدْقُهُ بِكَذِبِهِ وَحَكَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ أَنَّ السِّرَّ فِي

الصفحة 173