كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ قَوْلُهُ بِبَيْتِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِمُثَنَّاةٍ قَبْلَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ بِلَفْظِ مُفْرَدِ الْبَيْتِ وَلِلكُشْمِيهَنِيِّ بِنُونٍ قَبْلَ التَّحْتَانِيَّةِ بِلَفْظِ جَمْعِ الْبَنِينَ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ قَوْلُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَذَفَ الْمَقُولَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي لَفْظٍ وَالتَّقْدِيرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا فَقِيرٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا أَحَقُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَمَعْنَاهُ لَا أَتْرُكُهُمْ مُحْتَاجِينَ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَظَاهِرُهُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عَلَى مَجَازِهِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ لِأَنَّهُ صَارَ شَبِيهًا بِالْمُضَافِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ لَا أَبَا لَكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ لَوْ مُنِعُوا مِنَ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ لَهَلَكَتْ مَوَاشِيهُمْ فَاحْتَاجَ إِلَى تَعْوِيضِهِمْ بِصَرْفِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَهُمْ لِسَدِّ خُلَّتِهِمْ وَرُبَّمَا عَارَضَ ذَلِكَ الِاحْتِيَاجُ إِلَى النَّقْدِ فِي صَرْفِهِ فِي مُهِمٍّ آخَرَ قَوْلُهُ إِنَّهُمْ لَيُرَوْنَ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ أَوَّلَهُ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ وَقَوْلُهُ أَنِّي قد ظلمتهم قَالَ بن التِّينِ يُرِيدُ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْكَثِيرَةِ كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي الْقَلِيلَةِ لِأَنَّهُمُ الْمُعْظَمُ وَالْأَكْثَرُ وَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ بَوَادِي الْمَدِينَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ إِنَّهَا لَبِلَادُهُمْ وَإِنَّمَا سَاغَ لِعُمَرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَوَاتًا فَحَمَاهُ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ لمصْلحَة عُمُوم الْمُسلمين وَقد أخرج بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ تُحْمَى عَلَيْنَا فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ ذَلِكَ أَلَحَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ الْمَالُ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ مَا أَنا بفاعل وَقَالَ بن الْمُنِير لم يدْخل بن عَفَّان وَلَا بن عَوْفٍ فِي قَوْلِهِ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَالْكَلَامُ عَائِدٌ عَلَى عُمُومِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا عَلَيْهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ إِنَّمَا قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَسْلَمُوا عَفْوًا وَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ لَهُمْ وَلِهَذَا سَاوَمَ بَنِي النَّجَّارِ بِمَكَانِ مَسْجِدِهِ قَالَ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ فَأَرْضُهُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ غُلِبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ كَمَا غُلِبُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الصُّلْحِ فِي ذَلِكَ وَفِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ لِمَا بَيَّنَّا أَوَّلَ الْبَابِ وَهُوَ وَمَنْ بَعْدَهُ حَمَلُوا الْأَرْضَ عَلَى أَرْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ هُنَا وَإِنَّمَا حَمَى عُمَرُ بَعْضَ الْمَوَاتِ مِمَّا فِيهِ نَبَاتٌ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةِ أَحَدٍ وَخَصَّ إِبِلَ الصَّدَقَةِ وَخُيُولَ الْمُجَاهِدِينَ وَأَذِنَ لِمَنْ كَانَ مُقِلًّا أَنْ يَرْعَى فِيهِ مَوَاشِيَهُ رِفْقًا بِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَرَوْنَ أَنِّي ظَلَمْتُهُمْ فَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِهِ لَا أَنَّهُمْ مُنِعُوا حَقَّهُمُ الْوَاجِبَ لَهُمْ قَوْلُهُ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَرْكَبُ وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عِدَّةَ مَا كَانَ فِي الْحِمَى فِي عَهْدِ عُمَرَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ إِبِلٍ وَخَيْلٍ وَغَيْرِهَا وَفِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ فِيهِ عُمَرُ مِنَ الْقُوَّةِ وَجَوْدَةِ النَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيح

الصفحة 177