كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ هَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ مِنْ جَمِيعِ مَا خَلَّفَ وَإِنَّمَا طَلَبَتْ شَيْئًا مَخْصُوصًا فَأَمَّا خَيْبَرُ فَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمَذْكُورَةِ وَسَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ وَنِصْفُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَرَوَاهُ بِمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا لَيْسَ فِيهِ سَهْلٌ وَأَمَّا فَدَكُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا كَافٌ بَلَدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا مَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي قَاطِبَةً أَنَّ أَهْلَ فَدَكَ كَانُوا مِنْ يَهُودَ فَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أَرْسَلَ أَهْلُ فَدَكَ يَطْلُبُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا الْبَلَدَ وَيَرْحَلُوا وروى أَبُو دَاوُد من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُسَيِّرَهُمْ فَفَعَلَ فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكَ فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَلِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ معمر عَن بن شِهَابٍ صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ فَدَكَ وَقُرًى سَمَّاهَا وَهُوَ يُحَاصِرُ قَوْمًا آخَرِينَ يَعْنِي بَقِيَّةَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ فَقَالَ فِي آخِرِهِ وَكَانَتْ نَخْلُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً أَعْطَاهَا إِيَّاهُ فَقَالَ

[3094] مَا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُوله مِنْهُم الْآيَةَ قَالَ فَأَعْطَى أَكْثَرَهَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَبَقِيَ مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي فِي أَيْدِي بَنِي فَاطِمَةَ وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَتْ صَدَقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَمْوَالًا لِمُخَيْرِيقٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مُصَغَّرٌ وَكَانَ يَهُودِيًّا مِنْ بَقَايَا بَنِي قَيْنُقَاعَ نَازِلًا بِبَنِي النَّضِيرِ فَشَهِدَ أُحُدًا فَقُتِلَ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيْرِيقٌ سَابِقُ يَهُودَ وَأَوْصَى مُخَيْرِيقٌ بِأَمْوَالِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ مُخَيْرِيقٌ إِنْ أُصِبْتُ فَأَمْوَالِي لِمُحَمَّدٍ يَضَعُهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ فَهِيَ عَامَّةُ صَدَقَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَانَتْ أَمْوَالُ مخيريق فِي بني النَّضِير وعَلى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ شَمِلَ جَمِيعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَةِ فِي الْمَنَاقِبِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ سَهْمَ النَّبِيِّ يَصْرِفُهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِمَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُهُ لَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ وَفِي وَجْهٍ هُوَ لِلْإِمَامِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ وَقَالَ أَحْمَدُ يُصْرَفُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَقَالَ بن جرير يرد إِلَى الْأَرْبَعَة قَالَ بن الْمُنْذِرِ كَانَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْقَوْلِ مَنْ يُوجِبُ قَسْمَ الزَّكَاةِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ فَإِنْ فُقِدَ صِنْفٌ رُدَّ عَلَى الْبَاقِينَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُرَدُّ مَعَ سَهْمِ ذَوِيِ الْقُرْبَى إِلَى الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ يُرَدُّ خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِلَى الْغَانِمِينَ وَمِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْمَصَالِحِ قَوْلُهُ فَأَمَّا صَدَقَتُهُ أَيْ صَدَقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى على إِلَى وَعَبَّاسٍ سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ وَأَمَّا خَيْبَرُ أَيْ الَّذِي كَانَ يَخُصُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَفَدَكَ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ أَيْ لَمْ يَدْفَعْهَا لِغَيْرِهِ وَبَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ صَدَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْتَصُّ بِمَا كَانَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَأَمَّا سَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكَ فَكَانَ حُكْمُهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُقَدِّمُ نَفَقَة نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيْرِهَا مِمَّا كَانَ يَصْرِفُهُ فَيَصْرِفُهُ مِنْ خَيْبَرَ وفدك وَمَا فضل من ذَلِك جعله فِي الْمَصَالِحِ وَعَمِلَ عُمَرُ بَعْدَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ تَصَرَّفَ فِي فَدَكَ بِحَسَبِ

الصفحة 203