كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

وَلَا جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلَا شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلتَّرْجَمَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ كُلُّهُ مَوْقُوفٌ وَقَدْ ذَكَرُوهُ فِي مُسْنَدِ الزُّبَيْرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُذْكَرَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ أَكْثَرَهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَوْصَى الزُّبَيْرُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَقَالَ مَا مِنِّي عُضْوٌ إِلَّا وَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ

[3129] قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ أَحَدَّثَكُمْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ إِلَخْ لَمْ يَقُلْ فِي آخِرِهِ نَعَمْ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ وَقَدْ سَاقَهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ عَالِيًا فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمُسْتَمْلِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَوَقَفْتُ عَلَى قِطَعٍ مِنْهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَغَيْرِهَا سَأُبَيِّنُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ يُرِيدُ الْوَقْعَةَ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ مَعَهُ وَبَيْنَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَمَنْ مَعَهَا وَمِنْ جُمْلَتِهِمُ الزُّبَيْرُ وَنُسِبَتِ الْوَقْعَةُ إِلَى الْجَمَلِ لِأَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ كَانَ مَعَهُمْ فَأَرْكَبَ عَائِشَةَ عَلَى جَمَلٍ عَظِيمٍ اشْتَرَاهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقِيلَ ثَمَانِينَ وَقِيلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَوَقَفَتْ بِهِ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يَزَلِ الَّذِينَ مَعَهَا يُقَاتِلُونَ حَوْلَ الْجَمَلِ حَتَّى عُقِرَ الْجَمَلُ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمُ الْهَزِيمَةُ هَذَا مُلَخَّصُ الْقِصَّةِ وَسَيَأْتِي الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنْ سَبَبِهَا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ ذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى أَوِ الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ قَالَ بن بَطَّالٍ مَعْنَاهُ ظَالِمٌ عِنْدَ خَصْمِهِ مَظْلُومٌ عِنْدَ نَفْسِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ كَانَ يَتَأَوَّلُ أَنه على الصَّوَاب وَقَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ إِمَّا صَحَابِيٌّ مُتَأَوِّلٌ فَهُوَ مَظْلُومٌ وَإِمَّا غَيْرُ صَحَابِيٍّ قَاتَلَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَهُوَ ظَالِمٌ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ إِنْ قِيلَ جَمِيعُ الْحُرُوبِ كَذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا أَوَّلُ حَرْبٍ وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَأَنَّ الزُّبَيْرَ إِنَّمَا قَالَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَالْمَعْنَى لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُ لِلظَّالِمِ مِنْهُمُ الْعُقُوبَةَ أَوْ لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا مَظْلُومٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُ لَهُ الشَّهَادَةَ وَظَنَّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَنَّهُ يُقْتَلُ مَظْلُومًا إِمَّا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَانَ مُصِيبًا وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعَ عَلِيٌّ وَهُوَ قَوْلُهُ لَمَّا جَاءَهُ قَاتِلُ الزُّبَيْرِ بشر قَاتل بن صَفِيَّةَ بِالنَّارِ وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَوَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ عَثَّامِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُخْتَصَرًا قَالَ وَاللَّهِ لَئِنْ قُتِلْتُ لَأُقْتَلَنَّ مَظْلُومًا وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ وَمَا فَعَلْتُ يَعْنِي شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي قَوْلُهُ وَإِنِّي لَا أُرَانِي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مِنَ الظَّنِّ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ وَظَنُّهُ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ مَظْلُومًا قَدْ تَحَقَّقَ لِأَنَّهُ قُتِلَ غَدْرًا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ عَلِيٌّ فَانْصَرَفَ عَنِ الْقِتَالِ فَنَامَ بِمَكَانٍ فَفَتَكَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُسَمَّى عَمْرَو بْنَ جُرْمُوزٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنة وَآخره زَاي فروى بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ إِنَّا لَمَعَ عَلِيٍّ لَمَّا الْتَقَى الصَّفَّانِ فَقَالَ أَيْنَ الزُّبَيْرُ فَجَاءَ الزُّبَيْرُ فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَى يَدِ عَلِيٍّ يُشِيرُ بِهَا إِذْ وَلَّى الزُّبَيْرُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقِتَالُ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ عَلِيًّا ذَكَّرَ الزُّبَيْرَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَتُقَاتِلَنَّ عَلِيًّا وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ فَرَجَعَ لِذَلِكَ وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَخَلِيفَةُ فِي تَارِيخِهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ جَاوَانَ بِالْجِيمِ قَالَ فَانْطَلَقَ الزُّبَيْرُ مُنْصَرِفًا فَقَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ بِوَادِي السِّبَاعِ قَوْلُهُ وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي فِي رِوَايَةِ عَثَّامٍ انْظُرْ يَا بُنَيَّ دَيْنِي فَإِنِّي لَا أَدَعُ شَيْئًا أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْهُ قَوْلُهُ وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ وَثُلُثِهِ أَيْ ثُلُثِ الثُّلُثِ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْخَبَرِ قَوْلُهُ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا

الصفحة 229