كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ لَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِهِمْ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ تَوَجَّهَ إِلَى ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَمِنْهُ يَظْهَرُ المُرَاد بالقوم فِي رِوَايَة بن الْمُنْكَدِرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَغَازِي وَأَنَّ الْأَحْزَاب من قُرَيْش وَغَيرهم لما جاؤوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَحَفَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنَ الْيَهُودِ نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَوَافَقُوا قُرَيْشًا عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى شَرْحِ الْحَوَارِيِّ فِي الْمَنَاقِبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ هَلْ يُبْعَثُ الطَّلِيعَةُ وَحْدَهُ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَقَوْلُهُ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ قَالَ صَدَقَةُ أَظُنُّهُ يَوْمَ الخَنْدَق صَدَقَة هُوَ بن الْفَضْلِ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَمَا ظَنَّهُ هُوَ الْوَاقِع فقد رَوَاهُ الْحميدِي عَن بن عُيَيْنَةَ فَقَالَ فِيهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَلَمْ يَشُكَّ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ التَّجَسُّسِ فِي الْجِهَادِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِلزُّبَيْرِ وَقُوَّةُ قَلْبِهِ وَصِحَّةُ يَقِينِهِ وَفِيهِ جَوَازُ سَفَرِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ السَّفَرِ وَحْدَهُ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَحْثٍ فِي ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ فِي بَابِ السَّيْرِ وَحْدَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ طَلِيعَةَ اللُّصُوصِ الْمُحَارِبِينَ يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُبَاشِرْ قَتْلًا وَلَا سَلْبًا وَفِي أَخْذِهِ مِنْ هَذَا الحَدِيث تكلّف قَوْلُهُ بَابُ سَفَرِ الِاثْنَيْنِ أَيْ جَوَازُهُ وَالْمُرَادُ سَفَرُ الشَّخْصَيْنِ لَا سَفَرُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ بِخِلَافِ مَا فَهِمَهُ الدَّاوُدِيُّ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الْبُخَارِيِّ ورده بن التِّينِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَذِّنَا وَأَقِيمَا وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ حِينَ أَرَادَا السَّفَرَ إِلَى قَوْمِهِمَا فَيُؤْخَذُ الْجَوَازُ مِنْ إِذْنِهِ لَهُمَا قُلْتُ وَكَأَنَّهُ لَمَّحَ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الزَّجْرِ عَنْ سَفَرِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ قُلْتُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَقَدْ صَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة وَصَححهُ وَترْجم لَهُ بن خُزَيْمَةَ النَّهْيُ عَنْ سَفَرِ الِاثْنَيْنِ وَأَنَّ مَا دُونُ الثَّلَاثَةِ عُصَاةٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ شَيْطَانٌ أَيْ عَاصٍ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الزَّجْرُ زَجْرُ أَدَبٍ وَإِرْشَادٍ لِمَا يُخْشَى عَلَى الْوَاحِدِ مِنَ الْوَحْشَةِ وَالْوَحْدَةِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ فَالسَّائِرُ وَحْدَهُ فِي فَلَاةٍ وَكَذَا الْبَائِتُ فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ الِاسْتِيحَاشِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَا فِكْرَةٍ رَدِيئَةٍ وَقَلْبٍ ضَعِيفٍ وَالْحَقُّ أَنَّ

الصفحة 53