كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)
جَرِيرٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسِهِ بِإِصْبَعِهِ وَيَقُولُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النَّاصِيَةُ خُصَّتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا الْمُقَدَّمَ مِنْهَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْفَضْلَ فِي الْإِقْدَامِ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ دُونَ الْمُؤَخَّرِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى الْأَدْبَارِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِيهَا مِنَ الشُّؤْمِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا جِنْسُ الْخَيْلِ أَيْ أَنَّهَا بِصَدَدِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْخَيْرُ فَأَمَّا مَنِ ارْتَبَطَهَا لِعَمَلٍ غَيْرِ صَالِحٍ فَحُصُولُ الْوِزْرِ لَطَرَيَانِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَارِضِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي مَكَانِهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ قَالَ عِيَاضٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ وَجِيزِ لَفَظِهِ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْعُذُوبَةِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْحُسْنِ مَعَ الْجِنَاسِ السَّهْلِ الَّذِي بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْخَيْرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يُكْتَسَبُ بِاتِّخَاذِ الْخَيْلِ مِنْ خَيْرِ وُجُوهِ الْأَمْوَالِ وَأَطْيَبِهَا وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَالَ خَيْرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ ترك خيرا الْوَصِيَّة وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْضِيلِ الْخَيْلِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ غَيْرِهَا مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْخَيل
(قَوْلُهُ بَابٌ الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ بِنَحْوِهِ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو يَعْلَى مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا بَأْسَ بِرُوَاتِهِ إِلَّا أَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ قَوْلُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ إِلَخْ سَبَقَهُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ بَقَاءَ الْخَيْرِ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفَسَّرَهُ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ الْمَغْنَمُ الْمُقْتَرِنُ بِالْأَجْرِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْخَيْلِ بِالْجِهَادِ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا فَرْقَ فِي حُصُولِ هَذَا الْفَضْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ مَعَ الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَوِ الْجَائِرِ وَفِي الْحَدِيثِ التَّرْغِيبُ فِي الْغَزْوِ عَلَى الْخَيْلِ وَفِيهِ أَيْضًا بُشْرَى بِبَقَاءِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ بَقَاءِ الْجِهَادِ بَقَاءَ الْمُجَاهِدِينَ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ مِثْلُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ الْحَدِيثَ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْخَطَّابِيُّ إِثْبَاتَ سَهْمٍ لِلْفَرَسِ يَسْتَحِقُّهُ الْفَارِسُ مِنْ أَجْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ السَّهْمَ الزَّائِدَ لِلْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ غَيْرَ سَهْمِ رَاكِبِهِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلَا دَلَالَةَ مِنَ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْبِيه حكى بن التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ فِي لَفْظِ التَّرْجَمَةِ الْجِهَادُ مَاضٍ عَلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قُلْتُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا وَقَدْ وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ مِنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ كَالْجَمَاعَةِ وَالَّذِي يَلِيقُ بِلَفْظِ الْحَدِيثِ مَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْأُصُولِ بِلَفْظِ مَعَ بَدَلَ عَلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَكْمِلَةٌ رَوَى حَدِيثَ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ غير من تقدم ذكره وهم بن عُمَرَ وَعُرْوَةُ وَأَنَسٌ
الصفحة 56
643