كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

(قَوْلُهُ بَابُ الْخَيْلِ لِثَلَاثَةٍ)
هَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَى صَدْرِ الْحَدِيثِ وَأَحَالَ بِتَفْسِيرِهِ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْهُ الْحَصْرَ فَقَالَ اتِّخَاذُ الْخَيْلِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَمْنُوعًا فَيَدْخُلُ فِي الْمَطْلُوبِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَيَدْخُلُ فِي الْمَمْنُوعِ الْمَكْرُوهُ وَالْحَرَامُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْقِسْمَ الثَّانِيَ الَّذِي يُتَخَيَّلُ فِيهِ ذَلِكَ جَاءَ مُقَيَّدًا بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا فَيَلْتَحِقُ بِالْمَنْدُوبِ قَالَ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبًا إِنَّمَا يَعْتَنِي بِذِكْرِ مَا فِيهِ حَضٌّ أَوْ مَنْعٌ وَأَمَّا الْمُبَاحُ الصِّرْفُ فَيَسْكُتُ عَنْهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهُ عَفْوٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ فِي الْأَصْلِ الْمُبَاحُ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى النَّدْبِ بِالْقَصْدِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مِنَ ابْتِدَائِهِ مَطْلُوبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ الْآيَةَ أَيْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَمَنِ اسْتَعْمَلَهَا فِي ذَلِكَ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ فَإِنِ اقْتَرَنَ بِفِعْلِهِ قَصْدُ طَاعَةٍ ارْتَقَى إِلَى النَّدْبِ أَوْ قَصْدُ مَعْصِيَةٍ حَصَلَ لَهُ الْإِثْمُ وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ قَوْلُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ قَوْلُهُ الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الَّذِي يَقْتَنِي الْخَيْلَ إِمَّا أَنْ يَقْتَنِيَهَا لِلرُّكُوبِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ فِعْلُ طَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ أوَ مَعْصِيَتُهُ وَهُوَ الْأَخِيرُ أَوْ يَتَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الثَّانِي

[2860] قَوْلُهُ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْمَرْجُ مَوْضِعُ الْكَلَإِ وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ وَالرَّوْضَةُ أَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ أَرْوَاثُهَا وَآثَارُهَا قَبْلَ بَابَيْنِ قَوْلُهُ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا لَامٌ هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ وَيُطَوَّلُ لَهَا لِتَرْعَى وَيُقَالُ لَهُ طِوَلٌ بِالْوَاو الْمَفْتُوحَةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الِاسْتِنَانِ هُنَاكَ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْجَرُ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَعُ فِي فِعْلِ الطَّاعَةِ إِذَا قَصَدَ أَصْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلْكَ التَّفَاصِيلَ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاح فَقَالَ بن الْمُنِيرِ قِيلَ إِنَّمَا أُجِرَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لَا يَنْتَفِعُ بِشُرْبِهَا فِيهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ وَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ حَيْثُ تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَيَغْتَمُّ صَاحِبُهَا لِذَلِكَ فَيُؤْجَرُ وَكُلُّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَنِ الْقَصْدِ قَوْلُهُ رَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا هَكَذَا وَقَعَ بِحَذْفِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مَنْ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَتَقَدَّمَ تَامًّا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي أَوَاخِرَ كِتَابٍ الشُّرْبِ وَقَوْلُهُ تَغَنِّيًا بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ نَونٍ ثَقِيلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ أَيِ اسْتِغْنَاءً عَنِ النَّاسِ تَقُولُ تَغَنَّيْتُ بِمَا رَزَقَنِي اللَّهُ تَغَنِّيًا وَتَغَانَيْتُ تَغَانِيًا وَاسْتَغْنَيْتُ اسْتِغْنَاءً كُلُّهَا بِمَعْنًى وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ تَعَفُّفًا أَيْ عَنِ السُّؤَالِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَطْلُبُ بِنِتَاجِهَا أَوْ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ أُجْرَتِهَا مِمَّنْ يَرْكَبُهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ الْغِنَى عَنِ النَّاسِ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَعَفُّفًا وَتَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا قِيلَ الْمُرَادُ حُسْنُ مِلْكِهَا وَتَعَهُّدُ شِبَعِهَا وَرِيِّهَا وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهَا فِي الرُّكُوبِ وَإِنَّمَا خَصَّ رِقَابَهَا بِالذِّكْرِ

الصفحة 64