كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 6)

مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى مَكَان شَرحه حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَاضِيَ قَبْلَ بَابَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَكَانِ شَرْحِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَحْرُسُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِخِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى وَالله يَعْصِمك من النَّاس قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ أَبْوَابٍ لَكِنْ قَدْ قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ سَبَبُ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى وَالله يَعْصِمك من النَّاس وَذَلِكَ فِيمَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا إِذَا نَزَلْنَا طَلَبْنَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ شَجَرَةٍ وَأَظَلَّهَا فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ اللَّهُ فَأَنْزَلَ الله وَالله يَعْصِمك من النَّاس وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ فَيُحْتَمَلُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَنْ يُقَالَ كَانَ مُخَيَّرًا فِي اتِّخَاذِ الْحَرَسِ فَتَرَكَهُ مَرَّةً لِقُوَّةِ يَقِينِهِ فَلَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْقِصَّة وَنزلت هَذِه الْآيَة ترك ذَلِك

(قَوْلُهُ بَابُ مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ)
أَيْ فِي اتِّخَاذِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا أَيْ مِنَ الْفَضْلِ قَوْلُهُ وَيذكر عَن بن عُمَرَ إِلَخْ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُنِيبٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ الجُرَشِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ عَن بن عُمَرَ بِلَفْظٍ بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَعَ السَّيْفِ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَتِ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْهُ قَوْلَهُ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ حُسِبَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو مُنِيبٍ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَفِي الْإِسْنَادِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ وَلَهُ شَاهد مُرْسل بِإِسْنَاد حسن أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَبَلَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمَامِهِ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ الرُّمْحِ وَإِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَكَاسِبِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ وَالْمُرَادُ بِالصَّغَارِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بَذْلُ الْجِزْيَةِ وَفِي قَوْلِهِ تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ظِلَّهُ مَمْدُودٌ إِلَى أَبَدِ الْآبَادِ وَالْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الرُّمْحِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ أَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِجَعْلِ الرَّايَاتِ فِي أَطْرَافِ الرُّمْحِ فَلَمَّا كَانَ ظِلُّ الرُّمْحِ أَسْبَغَ كَانَ نِسْبَةُ الرِّزْقِ إِلَيْهِ أَلْيَقَ وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لِظِلِّ السَّيْفِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الصفحة 98