كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 6)

التي أنا عليها (سبيلي) طريقي وسنتي وفسر ذلك بقوله: (أدعو إلى الله على بصيرة) أي على حجة واضحة والبصيرة المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل (أنا ومن اتبعني) أي ويدعو إليها من اتبعني واهتدى بهدي، قال الفراء: والمعنى ومن اتبعني يدعو إلى الله كما أدعو.
وفي هذا دليل على أن كل متبع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق عليه أن يقتدي به في الدعاء إلى الله أي الدعاء إلى الإيمان به وتوحيده والعمل بما شرعه لعباده، قال ابن الأنباري: ويجوز أن يتم الكلام عند قوله أدعو إلى الله، ثم ابتدأ فقال على بصيرة أنا ومن اتبعني، قال قتادة على بصيرة أي على هدى.
(و) أسبح (سبحان الله) أي وأنزه تنزيهاً له عما لا يليق بجلاله من جميع النقائص والشركاء والأضداد والأنداد (وما أنا من المشركين) بالله الذين يتخذون من دونه أنداداً.
(وما أرسلنا من قبلك) هذا رد على من قال لولا أنزل عليه ملك أي لم نبعث من الأنبياء إلى من قبلهم (إلا رجالاً) لا ملائكة أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم، قاله ابن عباس، فكيف ينكرون إرسالنا إياك، وتدل الآية على أن الله سبحانه لم يبعث نبياً من السماء ولا من الجن، وهذا يرد على من قال إن في النساء أربع نبيات حواء وآسية وأم موسى ومريم.
وقد كان بعثة الأنبياء من الرجال دون النساء أمراً معروفاً عند العرب حتى، قال قيس بن عاصم في سجاح المتنبئة:
أضحت نبيتنا انثى فطيف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم ... على سجاح ومن باللوم أغرانا
(نوحي إليهم) نوحي إليك، وقرئ بالياء مبنياً للمفعول (ومن أهل القرى) أي المدائن والأمصار دون أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على البدو

الصفحة 416