كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 6)

أَصَرَّ عَلَى الصَّغَائِرِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ فِي النَّيْلِ صَرَّحَ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّ الْخِيَانَةَ تَكُونُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ كَمَا تَكُونُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ دُونِ اخْتِصَاصٍ (وَلَا مجلود حدا) أي حد القذف
قال بن الْمَلَكِ هُوَ مَنْ جُلِدَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَجْلُودَ فِيهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ
وَقَالَ الْقَاضِي أَفْرَدَ الْمَجْلُودَ حَدًّا وَعَطَفَهُ عَلَيْهِ لِعِظَمِ جِنَايَتِهِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الزَّانِي غَيْرَ الْمُحْصَنِ وَالْقَاذِفَ وَالشَّارِبَ قَالَ الْمُظْهِرُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا جُلِدَ قَاذِفٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَأَمَّا قَبْلَ الْجَلْدِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ
وَقَالَ غَيْرُهُ الْقَذْفُ مِنْ جُمْلَةِ الْفُسُوقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ بَلْ إِنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ سَوَاءٌ جُلِدَ أَوْ لَمْ يُجْلَدْ
وَإِنْ لَمْ يَتُبْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ سواء جلد أو لم يجلد
قلت قول مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَجْلُودَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ كَمَا حَقَّقَهُ الحافظ بن القيم في أعلام الموقعين والحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ (وَلَا ذِي غِمْرٍ) بِكَسْرٍ فسكون أي حقد وعداوة (حنة) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْإِحْنَةُ بِالْكَسْرِ الْحِقْدُ وَالْغَضَبُ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْإِحْنَةُ الْعَدَاوَةُ وَيَجِيءُ حِنَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى قِلَّةٍ انْتَهَى
وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا لِأَخِيهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ (وَلَا مُجَرَّبِ شَهَادَةٍ) أَيْ فِي الْكَذِبِ (وَلَا الْقَانِعِ أَهْلَ الْبَيْتِ) أَيِ الَّذِي يَخْدُمُ أَهْلَ الْبَيْتِ كَالْأَجِيرِ وَغَيْرِهِ (لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَجُرُّ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَالِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ يَعُودُ نَفْعُهُ إِلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ جَرَّ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ كَالْوَالِدِ يَشْهَدُ لِوَلَدِهِ أَوِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ أَوِ الْغَرِيمِ يَشْهَدُ بِمَالٍ لِلْمُفْلِسِ عَلَى أَحَدٍ (وَلَا ظَنِينٍ) أَيْ مُتَّهَمٍ (فِي وَلَاءٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَمِي إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ (وَلَا قَرَابَةٍ) قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ وَلَا ظَنِينَ فِي قَرَابَةٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَى غَيْرِ ذَوِيهِ وَإِنَّمَا رُدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَنْفِي الْوُثُوقَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ
كَذَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ
وَقَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي مَنْ قَالَ أَنَا عَتِيقُ فُلَانٍ وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ بِحَيْثُ يَتَّهِمُهُ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ وَيُكَذِّبُونَهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ لِأَنَّ قَطْعَ الْوَلَاءِ عَنِ الْمُعْتِقِ وَأَبْنَائِهِ لِمَنْ لَيْسَ بِمُعْتِقِهِ كَبِيرَةٌ وَرَاكِبُهَا فَاسِقٌ كَذَلِكَ الظَّنِينُ فِي الْقَرَابَةِ وَهُوَ الدَّاعِي الْقَائِلُ أَنَا بن فُلَانٍ أَوْ أَنَا أَخُو فُلَانٍ مِنَ النَّسَبِ وَالنَّاسُ يُكَذِّبُونَهُ فِيهِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ

الصفحة 478