كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 6)
سَعَى كَانَ بَاغِيًا وَإِنْ لَمْ يَسْعَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَظْهَرَهُ وَلَا تَسَبَّبَ فِي تَأْكِيدِ أَسْبَابِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَجْزُ بِحَيْثُ لَوْ تَمَكَّنَ لَفَعَلَ فَهَذَا مَأْزُورٌ وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ التَّقْوَى فَقَدْ يُعْذَرُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ الْخَوَاطِرِ النَّفْسَانِيَّةِ فَيَكْفِيهِ فِي مُجَاهَدَاتِهَا أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهَا وَلَا يَعْزِمَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ رَفَعَهُ ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ قِيلَ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا تَطَيَّرْتَ فَلَا تَرْجِعْ وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ
وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَفِيهِ الْحَسَدُ فَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ إِلَى الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَوْلُهُ [1935] (لَا تَقَاطَعُوا) أَيْ لَا يُقَاطِعُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَالتَّقَاطُعُ ضِدُّ التَّوَاصُلِ (وَلَا تَدَابَرُوا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا تَتَهَاجَرُوا فَيَهْجُرَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَوْلِيَةِ الرَّجُلِ الْآخَرَ دُبُرَهُ إِذَا أَعْرَضَ عَنْهُ حين يراه
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ مُدَابَرَةٌ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ أَعْرَضَ وَمَنْ أَعْرَضَ وَلَّى دُبُرَهُ وَالْمُحِبُّ بِالْعَكْسِ انْتَهَى
(وَلَا تَبَاغَضُوا) أَيْ لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ لِأَنَّ الْبُغْضَ لَا يُكْتَسَبُ ابْتِدَاءً (وَلَا تَحَاسَدُوا) أَيْ لَا يَتَمَنَّى بَعْضُكُمْ زَوَالَ نِعْمَةِ بَعْضٍ سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لَا (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) أَيْ يَا عِبَادَ اللَّهِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أنكم عبيد الله فحقكم أن تتواخوا بِذَلِكَ وَقِيلَ قَوْلُهُ عِبَادَ اللَّهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ كُونُوا وَإِخْوَانًا خَبَرٌ ثَانٍ لَهُ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْنَى كُونُوا كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ (وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَخْصَرَ مِنْهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ والزبير بن العوام وبن عمر وبن مسعود وأبي
الصفحة 55
528