كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 6)
(بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونُ صَائِمًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ وَصْلَ الْمَاءِ إِلَى مَوْضِعِ الدِّمَاغِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَغَيْرِهَا سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ حَشْوِ جَوْفِهِ
وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُوجِبُ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الطَّهَارَةِ قَالُوا وَلَوْلَا وُجُوبِهِ لَكَانَ يَطْرَحُهُ عَنِ الصَّائِمِ أَصْلًا احْتِيَاطًا عَلَى صَوْمِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
8 - (بَاب فِي الصَّائِمِ يَحْتَجِمُ)
(قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ قَوْلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَقَالَا عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ
وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يحتجمون ليلا منهم بن عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنهم
وكان مسروق والحسن وبن سِيرِينَ لَا يَرَوْنَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْتَجِمَ
وَكَانَ الأوزاعي يكره ذلك
وقال بن الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إِنَّمَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ
وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَيْ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ أَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِلضَّعْفِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ
الصفحة 353
371