كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 6)

مقصودٌ لذاته لا لتحقيق المأمور به فقط وقوله تعالى {سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} مع كونه استئنافا مسوق لتعليل الامتثال بالأمر والنهي فإن إعادتَها إلى ما كانَتْ عليهِ من موجبات أخذها وعدمِ الخوفِ منها عِدَةٌ كريمةٌ بإظهار معجزةٍ أخرى أخرى على بدء عليه الصلاة والسلام وإيذانٌ بكونها مسخَّرةً له عليه الصلاة والسلام ليكون على طُمَأْنينة من أمره ولا يعتريه شائبةُ تَزلزُلٍ عند مُحاجّة فرعون أي سنعيدها بعد الأخذ إلى حالتها الأولى التي هي الهيئةُ العَصَوية قيل بلغ عليه الصلاةُ والسلامُ عند ذلك من الثقة وعدمِ الخوف إلى حيث كان يُدخل يدَه في فمها ويأخذ بلَحْيَيها والسِّيرةُ فِعْلةٌ من السير تجوز بها للطريقة والهيئة وانتصابُها على نزعِ الجارِّ أي إلى سيرتها أو على أنّ أعاد منقولٌ من عاده بمعنى عاد إليه أو على الظرفية أي سنعيدها في طريقتها أو على تقدير فعلها وإيقاعِها حالاً من المفعول أي سنعيدها عصاً كما كانت من قبل تسير سيرتَها الأولى أي سائرةً سيرتَها الأولى فتنتفعَ بها كما كنت تنتفع من قبل
{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} أُمرَ عليه الصلاةُ والسلامُ بذلك بعد ما أخذ الحيةَ وانقلبت عصاً كما كانت أي أدخلها تحت عضُدِك فإن جناحَيْ الإنسانِ جنباه كما أن جناحيَ العسكر ناحيتاه مستعارٌ من جناحي الطائرِ وقد سميا جناحين لأنه بجنحهما أي يُميلهما عند الطيران وقوله تعالى {تُخْرِجُ} جوابُ الأمر وقوله تعالى {بَيْضَاء} حالٌ من الضمير فيه وقوله تعالى {مِنْ غَيْرِ سُوء} متعلقٌ بمحذوف هو حال من الضمير في بيضاء أي كائنةً من غير عيب وقبح كنّي به عن البرص كما كنى بالسوءة عن العورة لما أن الطباع تعافه وتنفر عنه روي أنه عليه الصلاةُ والسلام كان آدمَ فأخرج يده من مُدرّعته بيضاءَ لها شُعاعٌ كشعاع الشمس تُغشّي البصر {آية أخرى} أي معجزةً أخرى غيرَ العصا وانتصابُها على الحالية إما من الضمير في تخرجْ على أنها بدلٌ من الحال الأولى وإما من الضمير في بيضاءَ وقيل من الضميرِ في الجارِّ والمجرور وقيل هي منصوبةٌ بفعل مضمرٍ نحوُ خذْ أو دونك وقوله تعالى
{لنريك من آياتنا الكبرى} متعلقٌ بمضمر ينساق إليه النظمُ الكريمُ كأنه قيل فعلنَا مَا فعلنَا منْ الأمر والإظهارِ لنُريَك بذلك بعضَ آياتنا الكبرى على أن الكبرى صفةٌ لآياتنا أو نريَك بذلك من آياتنا ما هي كُبرى على أن الكبرى مفعول ثان لنريك من آياتنا متعلق بمحذوف هو حال من ذلك المفعولِ وأياً ما كان فالآيةُ الكبرى عبارةٌ عن العصا واليدِ جميعاً وأما تعلقُه بما دل عليه آيةٌ أي دلّلنا بها لنريك الخ أو بقوله تعالى واضمم أو بقوله تُخْرِجُ أو بما قُدّر من نحو خذ ودونك كما قال بكلٍ من ذلك قائل فيؤدّي إلى عَراء آيةِ العصا عن وصف الكِبَر فتدبر
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ} تخلّصٌ إلى ما هو المقصودُ من تمهيد المقدمات السالفةِ فُصل عما قبله من الأوامر إيذاناً بأصالته أي اذهبْ إليه بما رأيتَه من الآيات الكبرى وادْعُه إلى عبادتي وحذّره نَقِمتي وقوله تعالى {إِنَّهُ طغى} تعليلٌ للأمرِ أو لوجوب المأمورِ به أي جاوز الحدَّ في التكبر والعتوّ والتجبر حتى تجاسر على

الصفحة 11