كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 6)
سورة طه
طه {
{طه} فخّمهما قالونُ وابنُ كثير وابنُ عامر وحفصٌ ويعقوبُ على الأصل والطاءَ وحده أبو عمْرو وورْشٌ لاستعلائه وأمالَهما الباقون وهو من الفواتح التي يُصدّر بها السورُ الكريمةُ وعليه جمهورُ المتْقنين وقيل معناه يا رجلُ وهو مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ومجاهدٍ وسعيدِ بنِ جُبير وقَتادة وعِكرِمةَ والكلبي إلا أنه عند سعيدٍ على اللغة النبْطية وعند قتادة على السُّريانية وعند عكرمة على الحبشية وعند الكلبي على لغة عكا وقيل عُكْل وهي لغة يمانيةٌ قالوا إن صح فلعل أصلَه يا هذا فتصرّفوا فيه بقلب الياء طاءً وحذفِ ذا من هذا وما استُشهد به من قول الشاعر ... إن السفاهة طه في خلائِقِكُم ... لا قدّس الله أخلاقَ الملاعينِ ...
ليس بنص في ذلك لجواز كونِه قسماً كما في حم لا يُنْصرون وقد جوز أن يكون الأصل طَأْها بصيغة الأمر من الوطء فقلبت الهمزة في يطأ ألفا لانفتاح ما قبلَها كَما في قول من قال لا هَناك المرتُع وها ضميرُ الأرض على أنه خطابٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرضَ بقدميه لمّا كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه مبالغةً في المجاهدة ولكن يأباه كتابتُهما على صورة الحرف كما تأبى التفسيرَ يا رجلُ فإن الكتابةَ على صور الحرف مع كون التلفظِ بخلافه من خصائص حروفِ المعجم وقرئ طه إما على أن أصلَه طأ فقلب همزتُه هاءً كما في أمثال هَرَقتَ أو قلبت الهمزة في يطأ ألفا كما مر ثم بُني منه الأمر وألحق به هاءُ السكت وإما على أنه اكتفى في التفظ بشطْري الاسمين وأُقيما مُقامَهما في الدِلالة على المسمَّيين فكأنهما اسماهما الدالان عليهما وعلى هذا ينبغي أن يحمل قولُ من قال أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبّر عنهما باسمهما وإلا فالشطران لم يذكرا من حيث إنهما مسمَّيان لاسمَيهما ليقعا معبَّراً عنهما بل من حيث إنهما جزءان لهما قد اكتُفيَ بذكرهما عن ذكرهما ولذلك وقع التلفظُ بأنفسهما لا باسميهما بأن يراد بضمير التثنية في الموضعين الشطران من حيث هما مسميان لا من حيث هما جزءان للاسمين ويراد باسمهما الشطران من حيث هما قائمان مقامَ الاسمين فالمعنى اكتُفي في التلفظ بشطري الكلمتين أي الاسمين فعبّر عنهما أي عن الشطرين من حيث هما مسمَّيان بهما من حيث هما قائمان مقامَ الاسمين وأمَّا حملُه على مَعْنَى أنه اكتُفي في الكتابة بشطري الكلمتين يعني طا على تقديري كونِه أمراً وكونِه حرفَ نداءوها على تقديري كونِها كنايةً عن الأرض وكونِها حرفَ تنبيهٍ وعُدل عن ذينك الشطرين في التلفظ باسمهما فبين البطلان كيف وطاؤها على ما ذكر من التقادير ليسا باسمين للحرفين المذكورين بل الأول
الصفحة 2
308