كتاب مسند أحمد - الميمنية تصوير عالم الكتب (اسم الجزء: 6)

قَالَ : كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ السَّاحِرُ قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي ، وَحَضَرَ أَجَلِي فَادْفَعْ إِلَيَّ غُلاَمًا فَلأُعَلِّمُهُ السِّحْرَ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ غُلاَمًا ، فَكَانَ يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ ، وَكَانَ بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ رَاهِبٌ ، فَأَتَى الْغُلاَمُ عَلَى الرَّاهِبِ ، فَسَمِعَ مِنْ كَلاَمِهِ فَأَعْجَبَهُ نَحْوُهُ وَكَلاَمُهُ ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ وَقَالَ : مَا حَبَسَكَ ؟ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ ضَرَبُوهُ وَقَالُوا : مَا حَبَسَكَ ؟ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ : إِذَا أَرَادَ السَّاحِرُ أَنْ يَضْرِبَكَ فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإِذَا أَرَادَ أَهْلُكَ أَنْ يَضْرِبُوكَ فَقُلْ : حَبَسَنِي السَّاحِرُ ، قَالَ : فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى دَابَّةٍ فَظِيعَةٍ عَظِيمَةٍ ، وَقَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ ، فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا ، فَقَالَ : الْيَوْمَ أَعْلَمُ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَمْ أَمْرُ السَّاحِرِ ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ وَأَرْضَى لَكَ مِنَ أَمِرِ السَّاحِرِ ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَجُوزَ النَّاسُ ، وَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا ، وَمَضَى النَّاسُ ، فَأَخْبَرَ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ ، أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي ، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى ، فَإِنْ ابْتُلِيتَ ، فَلاَ تَدُلَّ عَلَيَّ ، فَكَانَ الْغُلاَمُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَسَائِرَ الأَدْوَاءِ وَيَشْفِيهِمْ ، وَكَانَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ فَعَمِيَ ، فَسَمِعَ بِهِ ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ : اشْفِنِي وَلَكَ مَا هَاهُنَا أَجْمَعُ ، فَقَالَ : مَا أَشْفِي أَنَا أَحَدًا ، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِهِ ، دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ ، ثُمَّ أَتَى الْمَلِكَ ، فَجَلَسَ مِنْهُ نَحْوَ مَا كَانَ يَجْلِسُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : يَا فُلاَنُ ، مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ فَقَالَ : رَبِّي ، قَالَ : أَنَا ؟ قَالَ : لاَ ، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ، قَالَ : أَوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّهُ عَلَى الْغُلاَمِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ أَنْ تُبْرِئَ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَهَذِهِ الأَدْوَاءَ ؟ قَالَ : مَا أَشْفِي أَنَا أَحَدًا ، مَا يَشْفِي غَيْرُ اللهِ ، قَالَ : أَنَا ؟ قَالَ : لاَ . قَالَ : أَوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ، فَأَخَذَهُ أَيْضًا بِالْعَذَابِ ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ ، فَأُتِيَ بِالرَّاهِبِ ، فَقَالَ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكِ ، فَأَبَى ، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، وَقَالَ لِلأَعْمَى : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ فِي الأَرْضِ ، وَقَالَ لِلْغُلاَمِ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : إِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ ، وَإِلاَّ فَدَهْدِهُوهُ مِنْ فَوْقِهِ ، فَذَهَبُوا بِهِ ، فَلَمَّا عَلَوْا بِهِ الْجَبَلَ قَالَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَتَدَهْدَهُوا أَجْمَعُونَ ، وَجَاءَ الْغُلاَمُ يَتَلَمَّسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ فِي قُرْقُورٍ ، فَقَالَ : إِذَا لَجَجْتُمْ بِهِ الْبَحْرَ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ ، وَإِلاَّ فَغَرِّقُوهُ فَلَجَّجُوا بِهِ الْبَحْرَ ، فَقَالَ الْغُلاَمُ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، فَغَرِقُوا أَجْمَعُونَ ، وَجَاءَ الْغُلاَمُ يَتَلَمَّسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ ، فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَتَلْتَنِي ، وَإِلاَّ فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ قَتْلِي ، قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ ، ثُمَّ تَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ فَتَأْخُذُ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ، ثُمَّ قُلْ : بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلاَمِ ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي ، فَفَعَلَ وَوَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ ثُمَّ رَمَى فَقَالَ : بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلاَمِ ، فَوَضَعَ السَّهْمَ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ الْغُلاَمُ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ السَّهْمِ وَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ ؟ فَقَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ ، فَأَمَرَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدِّدَتْ فِيهَا الأُخْدُودُ وَأُضْرِمَتْ فِيهَا النِّيرَانُ ، وَقَالَ : مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَدَعُوهُ ، وَإِلاَّ فَأَقْحِمُوهُ فِيهَا ، قَالَ : فَكَانُوا يَتَعَادَوْنَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا تُرْضِعُهُ ، فَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِي النَّارِ ، فَقَالَ الصَّبِيُّ : يَا أُمَّهْ ، اصْبِرِي ، فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ.

الصفحة 17