كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 6)

فَقَالَتْ: بلى، قَالَ: فَمَا الَّذِي يمنعك من شيخ قريش وسيدها فلم يزل بِهَا حَتَّى فعلت، فقوي أمر مَرْوَان، واشتد عَلَيْهِ الضحاك فِي البيعة لابن الزُّبَيْر فَقَالَ اخرج إِلَى المرج حتى أشترط عليك على رؤوس النَّاس أشياء ثُمَّ أبايعك، وَقَدْ كَانَ مَرْوَان أراد أَن يبايع لابن الزُّبَيْر قبل ذَلِكَ، فاتعدوا المرج عَلَى أَن يغدوا إِلَيْهِ فَقَالَ مَرْوَان لعمرو: اركب فرسك الفلاني- وَكَانَ ذَلِكَ الفرس خبيث الخلق لا يمشي إلا معترضا ويكدم كُل دابة تكون إِلَى جانبه- ثُمَّ سر بيني وبين الضحاك فإني سأتأذى بك وبفرسك فآمرك أَن ترجع فتركب غيره، فَإِذَا رجعت فأغلق أبواب الْمَدِينَة عليك، وخل بيني وبين العبد حَتَّى يحكم اللَّه ثُمَّ بيني وبينه، وخرج مَرْوَان وعمرو والضحاك فلما جاوز الْمَدِينَة جعل فرس عَمْرو يكدم ويعترض ولا يستقيم فَقَالَ لَهُ مَرْوَان: مَا هَذَا الشَّيْطَان تحتك؟ ارجع فاركب غيره، فرجع، وَكَانَ محببًا فِي أهل الشام، فأغلق عَلَيْهِ أبواب دمشق، ومضى مَرْوَان وصاحبه وجعل الضحاك يَقُول ساعة بَعْد ساعة: يا مَرْوَان أين عَمْرو؟ فَيَقُولُ: يلحقنا. حَتَّى نزل المرج، فَقَالَ: هلم حَتَّى يلتئم النَّاس، وينزلوا، فأمر الضحاك بمنبره فنصب وانخزل مَرْوَان فانضمت إِلَيْهِ كلب وسائر السفيانية وَقَدْ واطأهم، وبعث إِلَى الضحاك: مَالِك ولهذا الأمر لا أم لَك، وأنت رجل من محارب بْن فهر، وإنما هَذَا الأمر فِي بَنِي عَبْد مناف، وأنت وإن أظهرت الدعاء لابن الزُّبَيْر، فَإِنَّهُ رجل من بَنِي أسد بْن عَبْد العزى، فتزاحفوا بالمرج، ومع مَرْوَان أهل اليمن، ومع الضحاك قَيْس، فاقتتلوا فقتل الضحاك وهزمت قَيْس، وَفِي ذَلِكَ يَقُول زفر بْن الْحَارِث:
لعمري لَقَدْ أبقت وقيعة راهط ... لدى المرج صدعا بيننا متباينا

الصفحة 296