كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
أيضاً ما لم (¬1) يعلم الله سبحانه ما يُلجىء المكلف إلى الطاعة، وهذا يبطل تأويلهم آيات المشيئة على الإكراه، ولا يبعد أنهم يلتزمون هذا عقلاً، ولكنهم يُقرون بأن السمع دلَّ على قدرة الله تعالى على هداية العصاة كرهاً.
والجواب عليهم منعُ ما ذكروه من قصر دلالة السمع على ذلك، فإن دِلالة السمع وردت بكمال قدرته على ما يشاء عموماً، ثم على هداية الخلق أجمعين خصوصاً.
وعلى الجملة، فإن أحسن ما يُدفعون به تذكيرهم أن هذا معلوم بالضرورة من الدين، ومعارضة قولهم بما يُشبهه من أقوال المبطلين بإجماع المسلمين، فما أجابوا به فهو جوابنا.
مثالُ ذلك: أن يقال لهم: ما الفرق بين قولكم وبين قول جماعة من الفلاسفةٍ: إنه ليس في مقدور الله تعالى أحسن من هذا العالم، لأن الكريم يبادرُ بأحسن ما في مقدوره من الخير، وليس في هذا تعجيزٌ لله تعالى، لأنه ليس في (¬2) معلومه تعالى أحسن منه، وما ليس في معلومه، لم تصح القدرة عليه.
فهذه الحيلة على تعجيز الربِّ عن خلق أحسن من هذا العالم مثل حيلة المعتزلة على تعجيزه سبحانه عن اللُّطف بالعصاة، بل هي هي، وقد قاربت المعتزلة مقالة الفلاسفة هذه.
وأما البغدادية من المعتزلة، فإذا تأمَّلْت مذهبهم لم تجدْهُ يخالف قول هذه الطائفة من الفلاسفة إلاَّ في العبارة، أو فيما يلزمهم الموافقه فيه مع اشتغالهم بتأويل السمع على وَفْقِ قولهم، وذلك أن مذهبهم أن الأصلح للخلق في دينهم ودنياهم وآخرتهم واجبٌ على الله تعالى، وكل ما لم يفعله الله تعالى من مصالح الخلق في الدنيا والآخرة، فليس في معلومه سبحانه ما هو أصلح منه لهم، حتى
¬__________
(¬1) في (ش): متى لم.
(¬2) في (أ): ما في.
الصفحة 13
388