كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
وثانيهما: أن العلوم العاديَّات مسلمةٌ بالنظر إلى عادتنا وقدرتنا، فإحياء الجماد، وإحياء الموتى في المعاد محال في العقل كما قالوا، ولكن بالنظر إلى قدرتتا وعادتنا، وكذلك عامة (¬1) ما يفارق الرب به تعالى عبيده من إيجاد المعدوم من غير شيءٍ، ولذلك أنكرته المعتزلة، وقالت: إن تذويت الذوات مُحال، وكذلك الفعل من غير آلة أنكرته الفلاسفة وبعض القدرية (¬2).
وإنما غَلِطُوا في ذلك، لأنهم نقلوا العلم الضروري الحق المتعلق بعجزنا عن هذه الأشياء إلى الربِّ تعالى، ووجه غَلَطهم أنهم حَسِبُوا أن ذلك محالٌ لنفسه لا لعجزنا خصوصاً عنه. فافهم هذا واعتبره، فإنه نافع جداً، وقد كفر لأجله خلائق من المشركين، وضل لأجله خلائق من المسلمين.
الوجه الثالث: أن البرهان القاطع دل على نقيض مذهبهم، وهو أنا نعلم يقيناً لُطفاً معلوماً مقدوراً لله تعالى لو فعله، لآمن الناس أجمعون اختياراً من غير إكراهٍ، ولنذكر على ذلك أدلةً.
الأول: أن الله سبحانه قادر على أن يخلق العصاة على بِنيةٍ قابلة للألطاف مثل بنية الملائكة والأنبياء، سواء قلنا: إن بنيتهم التي خُلِقُوا عليها قابلة للألطاف، كقول أهل السنة، أو غير قابلة كقول المعتزلة.
ذكر هذا الوجه ابن الملاحمي (¬3) في كتابه " الفائق " وهو أحد أئمة المعتزلة، على رأي أبي الحسين، وهو وجهٌ صحيح معلومٌ من الدين، قال الله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60]، ولا
¬__________
(¬1) ساقطة من (أ).
(¬2) في (ش): ولذلك أنكرته المشبهة وكذا علم الغيب من غير سبب، وكذلك أنكرته بعض القدرية.
(¬3) وقال: ذكره أحمد بن يحيى المرتضى في " المنية والأمل " ص 71 في تلامذة أبي الحسين البصري، فقال: الشيخ النحرير محمود بن الملاحمي.
الصفحة 15
388