كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
شك أن بنية الملائكة تخالِفُ بنية الإنس (¬1)، فإنهم لا يأكلون ولا يشربون، ولا يفتُرُون من العبادة، فمن قدر على تحويل بنية البشر إلى بنية الملائكة، فهو على تحويل بنية بشر إلى بنية بشرٍ مثله أقدرُ، بل في كتاب الله تعالى ما يدُلُّ على قدرة الله سبحانه على ذلك دِلالةً خاصة مع بقاء بنيتهم، وإلا فهو معلومٌ ضرورة من الدين، وذلك مثل قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم} [الممتحنة: 7]، وإليه إلإشارة بقوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم} وقد اعترف الخصم بهذا المعنى في تفسيره، فقال: ومعنى {والله قديرٌ} على تقليب القلوب، وذلك هو المراد.
وقد قال الله تعالى في خطاب من شك في قدرته على أبعدَ من ذلك في العقل وأصعب: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 50 - 51]، وما أدلَّ (¬2) قوله: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} على تعميم قدرته تعالى على تغيير كل بنية إلى ما يخالفها. وقد صح في الحديث " أن الله يقلب القلوب كيف شاء "، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يا مقلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك " (¬3) وقد تقدم الكلام عليه وقد حكى الله عن الراسخين قالوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8].
وجاء هذا في كلام الله تعالى بعباراتٍ مختلفة:
منها قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 7 - 8].
¬__________
(¬1) في (ش): البشر.
(¬2) في (ش): " دل "، وهو خطأ.
(¬3) تقدم تخريجه في 2/ 271 - 272.
الصفحة 16
388