كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)

منها: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110].
ومنها: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125].
ومنها: {وَجَعَلْنا قُلوبَهُم قاسيةً} [المائده: 13]، وأمثال ذلك كثير لا يكاد يحصى.
ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِين} [المعارج: 40 - 41]، ووجهُ الحجة من الآية أنها تدل على أن لله تعالى حكمة وإرادة في وجود العصاة مع كراهة المعاصي، لأنه تمدَّح بالقدرة على إيجاد خلق غير عصاة في هذه الآية، وفي غيرها كقوله: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
فتأمل ذلك مع مثل قوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم} [هود: 119]، وفي آية: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} [السجدة: 13]، كما تقدم في أن عذاب الله في الدار الآخرة راجحٌ مشتمل على الحكم الخفية والمصالح، وأنه ليس بمُباحٍ خالٍ من الحكمة والصلاح.
وقد صَحَّ وثبت من غير وجهٍ أنه شُقَّ قلبُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وغُسِلَ ومُلِىءَ حكمةً وإيماناً (¬1)، وذلك ظاهر في أنه سبب العصمة، ومثله مقدورٌ لله تعالي في كل بشر، وليس هذا من القياس في شيءٍ، وإنما هو من قبيل احتجاج الرب سبحانه على قدرته على الإعادة: بقدرته على النشأة الأولى، وكما احتج المسلمون على قدرة الرب سبحانه على كل شيءٍ بذلك وبالمعجزات، ووجهُه
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه في 3/ 372.

الصفحة 17