كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
الدليل الثاني: أنَّ أبا هاشم وأصحابه وجمهور المعتزلة جوزوا أن يَخْلُقَ الله تعالى أسباباً يعلم أن المعاصي تقع بسببها زائدة على أصل التكليف، مثل خلق الشياطين والشهوات الزائدة (¬1)، ويكون ذلك تعريضاً للثواب العظيم، كما جاز منه ذلك في أصل التكليف، ولم يخالف في ذلك إلاَّ أبو علي (¬2)، حكى ذلك السيد صاحب الابتداء المجاب عليه " بالعواصم " في آخر تفسيره " تجريد الكَشَّاف المزيد فيه النكت اللطاف " وقوَّى ذلك وصححه، واحتج عليه بآيات من القرآن كقوله تعالى في الشيطان: {فدَلاَّهُما بِغُرورٍ} [الأعراف: 22]، وقوله: {كما أَخْرَجَ أبَوَيكُم مِنَ الجَنّةِ} [الأعراف: 27] وغير ذلك.
وعلى هذا يجبُ تجويز أن في العصاة من عصى بسببٍ من هذه الأسباب، الزائدة، ويجب القطع بقُدرة الله تعالى على هداية من عصى بتلك الأسباب، لأن الله تعالى قادر على هدايته بترك تلك الأسباب، وهذا يناقض القطع بنفي قدرته على هداية العصاة.
الدليل الثالث: أن المعتزلة اعترفت أنه لا يقع القبيح من فاعله إلا لداعٍ إليه، ولذلل أمكنهم القطع بأن الله تعالى لا يفعل القبيح مع قدرته عليه، لأنه لا داعي إليه.
إذا تقرر هذا، فلا خلاف بين الجميع أنَّ الرب سبحانه قادرٌ على أن يُعلِّم العاصي قُبح القبيح، وعلى أن لا يجعل له إليه داعياً ألبتة، وعلى أنه متى فعل ذلك، لم يقع القبيح، سواء قلنا: إن وقوعه ممكنٌ أو ممتنع، ولكن المعتزلة اعتذرت عن هذا بشُبَهٍ:
الشبهة الأولى: قالوا: لو لم يجعل الله تعالى للعاصي داعياً إلى
¬__________
(¬1) ساقطة من (ش).
(¬2) هو شيخ المعتزلة أبو علي محمد بن عبد الوهاب البصري الجبائي المتوفى سنة (303 هـ). انظر " السير " 14/ 183 - 185.
الصفحة 20
388