كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)

المعصية، لم يصح وقوعها منه، فيكون كالمُلْجَأ بالصوارف إلى الترك، والمُلجأ لا يستحق الثناء والثواب، وأجيب عليهم بوجوه:
أحدها: أنه يناقض قولهم في أنه لا أثر للداعي، ثم إن قولهم: إنه كالمُلجأ، والملجأ لا يستحق الثناء والثواب مغالطةٌ ظاهرة، لأن كاف التشبيه والتجوُّز في العبارات لا يصح في البراهين، لأنه لا يصير مُلجأ محققاً بكونه كالملجأ، بل (¬1) ولا يصح كونه كالملجأ، لمجرد عدم الداعي إلى القبح، لأنه لا داعي لله تعالى إلى القبيح، فلا يصح وصفه بأنه كالملجأ (¬2)، وإذا لم يكن العبد ملجأً، لم يكن له حكمُ الملجأ الذي هو عدم استحقاق الثناء والثواب، ونحن لم نقل: بأن الله تعالى قادر على أن يُلجئه إلى الطاعة، بل قلنا: هو قادر على أن يجعله مختاراً، يوضِّحُهُ.
الوجه الثاني: وهو أن الله تعالى مستحقٌّ لأعظم الثناء على ترك القبائح مع أنه لا يصحُّ وقوعها منه عند الجميع، ولا ولا داعي له إليها، ولا مشقة عليه في تركها، وكذلك يستحق أعظم المحامد على ما يفعله من الجود والإحسان وإن لم يكن عليه في ذلك مشقة ألبتة.
الوجه الثالث: أنه يلزم بطلان الثناء والثواب عقلاً مطلقاً على جميع أفعال المختارين لما سيأتي في مسألة إيجاب الداعي، فإنه قد تقرَّر هناك أنه لا يصح من كل مختار حين اختياره أن يقع منه ضد اختياره بدلاً من اختياره من غير مُرَجِّح، ولا يمكن دخول هذه الصورة في الوجود، وكل مختار عند اختياره كالملجأ على زعمهم، ولو رام المعتزلي أن ينازع في ذلك بَطَلَ عليه أساس العدل، ولَزِمَهُ تجويز ذلك في حق الرب تعالى.
¬__________
(¬1) ساقطة من (ش).
(¬2) من قوله: " لمجرد " إلى هنا ساقط من (أ).

الصفحة 21