كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
والجحد للحق ينتهي إلى جَحْد الضرورة، وحينئذٍ ينقطع المُحِقُّ من الكلام، وينتقل إلى مرتبة الجهاد بالسيف أو الصبر إلى يوم الفصل، وإذا كان مفزَعُهم إلى جحد الحق كان المُحِقُّ أولى أن يفزَعَ إلى جحد الباطل، ويرد عليهم مكرَهُم، ويُوقِعَهم في كيدهم.
فإن قالوا: ليس على النافي دليل.
قلنا: من ادعى نفي العلم وكان حاصل دعواه أنه جاهل، فلا دليل عليه، ولكن أن نفى الضرورة، قطعنا بتكذيبه وإلاَّ وقفنا في ذلك (¬1). وأما من ادَّعى العلم بالنفي، فعليه الدليل، ولذلك احتجنا إلى الاستدلال على نفي الثاني.
الوجه الثاني: أنه لا مانع من بُطلان هذا الاسم أو بطلان معناه مع بقاء اسم (¬2) الطاعة والعبادة، وكذلك اسم المعصية والمخالفة، ولم تَرِدِ الأوامرُ الشرعية على الخلق بأن يتكلَّفُوا ما شَقَّ بل وردت بأن يطيعوا ولا يعصوا، ويعبدوا ولا يكفروا، فحيث شق ذلك، أمرنا بالصبر، وحيثُ لم يشُقَّ، لم نُحْرَمِ الأجر، بل قد جاء نفي الحرج والعسر في نصوص كتاب الله تعالى وقال: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} [طه: 2]، وقال في صفته - صلى الله عليه وسلم -: {وما أنا من المُتَكَلِّفين} [ص: 86]، وسمى دينه الذي ارتضاه لعباده اليُسرى، وسمَّى خلاف ذلك العسرى. وقد بينت (¬3) في مقدمات هذا الكتاب أن العُسرى أمرٌ نِسبيٌّ إضافي، وأكثر ما يكون على حَسَبِ الدواعي والصوارف، ولذلك كانت الصلاةُ كبيرة إلا على الخاشعين مع مساواة غيرهم لهم في القوة والصحة أو زيادة غيرهم عليهم في ذلك، ولا معنى لاشتراط (¬4) بقاء اسم التكليف (¬5)، ولولا ذلك كذلك (¬6) لم
¬__________
(¬1) من قوله: " ولكن " إلى هنا ساقط من (ش).
(¬2) ساقطة من (ش).
(¬3) في (ش): ثبت، وهو تصحيف.
(¬4) في (أ): " لاشتراك "، والمثبت كتب فوقها في إحدى النسخ.
(¬5) من قولهم: " غيرهم لهم " إلى هنا ساقط من (ش).
(¬6) ساقط من (أ).
الصفحة 23
388