كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)

وأما حديث أمِّ حبيبة الذي خرجه مسلم (¬1) في الأمر بسؤال الجنة، والاستعاذة من النار دون الدعاء بالعُمُر والرزق وتعليل ذلك بسبق القدر في العمر والرزق فوجهه -والله أعلم- أن الدعاء فيما كلفنا باكتساب أسبابه عبادةٌ مطلوبة منه كالعمل، لأنه من جملة الأسباب المطلوبة، وأما فيما لم نُكلَّف، كالدعاء بالرزق والعمر، فإنه مباحٌ لنا، غير مطلوبٍ منا، وثمرة طلب المقدورات يذكر في المرتبة الرابعة.
والسادس والأربعون والمئة: عن جابرٍ في قوله تعالى: {وكُلَّ إنْسَانٍ ألزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِه} [الإسراء: 13]، وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " طير كل عبد في عنقه "، رواه أحمد (¬2) من طريق ابن لهيعة. وفائدة ذكره مع الآية معرفة عدم
¬__________
= وهو كما قال، فإن محمد بن جابر اليمامي ضعيف الحديث.
وله شاهد من حديث ابن عباس موقوفاً أخرجه الطبري في " جامع البيان " (20461) - (20466) وذكره السيوطي 4/ 659 وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في " الشعب ".
(¬1) برقم (2663) من حديث ابن مسعود. وأخرجه أيضاً أحمد 1/ 390 و413 و433 و466، والبغوي (1362)، وصححه ابن حبان (2969)، ولفظه: أن أم حبيبة قالت: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبأبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجِّل شيئاً قبل حلِّه، أو يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار، أو من عذاب القبر، كان خيراً وأفضل ".
(¬2) 3/ 342. وأخرجه عبد بن حميد في " مسنده " كما في " تفسير ابن كثير " 3/ 30 قالا: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر فذكره. وهذا سند ضعيف لضعف ابن لهيعة، ثم إن أبا الزبير مدلس وقد عنعن.
وأخرجه الطبري في " جامع البيان " 15/ 50 - 51 من طريق هشام الدستوائي عن قتادة، عن جابر مرفوعاً. وزاد في أوله: " لا عدوى ولا طيرة ". وهذا سند منقطع، فإن قتادة لم يسمع من جابر شيئاً.

الصفحة 277