كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
وذكر في " الجامع الكافي " على مذهب الزيدية أن زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام بكى عند موته، فقال له ولده الباقر: لِمَ تبكي؟ فوالله ما علمتُ أحداً طلب الله ما طلبته، فقال له أبوه: اسكت يا ولدي، فإنه ليس أحد يأتي يوم القيامة إلاَّ وله زلَّة، إن شاء الله عاقبه عليها، وإن شاء عفا عنه.
ويعضده حديث عائشة وأبي هريرة " لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة ولا أنا ".
وفي " مسلم " عن جابر مثله.
ومنه قول الخليل: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82]. وفي " مجمع الزوائد " عشرة أحاديث مثل ذلك. وفي قول آدم ونوحٍ في كتاب الله.
والعجب من المعتزلة أنهم يُفضلون الملائكة على الأنبياء والصالحين مع قوله في الملائكة: {لا يفتُرُون} [الأنبياء: 20]، وفي آية: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] أي: يَعْيَوْنَ، ومع ما عُلِمَ من عصمة الملائكة من شهوة النساء والطعام والشراب، ثم يُعَوِّلُون بعد هذا على أن الثواب علي قَدَرِ المشقة.
ومن أعظم ما يُحتج به على ذلك ما قطع به الجماهير وجوَّزه الجميع من تفضيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نوحٍ عليه السلام، وأمثاله ممن كانت شِرعته أشق وعمره أطول، ومشقته أكثر، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما بقي عاملاً بشريعته قدر عشرين عاماً مع ما عُلِمَ من سهولتها بالنسبة إلى ما قبلها من الشرائع، وإلى ذلك الإشارة بنحو قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].
ولذلك ورد في الصحيح أنهم تقالُّوا عبادته، وقال بعضهم: إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فغضب، وقال: "إني
الصفحة 29
388