كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
الوجه الرابع: أنها قد جاءت ألفاظٌ صحيحة شهيرةٌ على خلاف هذه القاعدة التي في اشتراط الإثبات في المشتقات، وقد حضرني منها اثنتان وعشرون لفظةً منها: التَّحنُّث والتحنُّف والتحرُّج والتَّأثُّم والتَّحوُّب والتهجد والتنجُّس، وهو فعل ما يُخرِجُ عن الحِنث، والحَنَف والحرج والإثم والحَوْب والهُجُود. ذكر ذلك كله الثعالبي في " فقه اللغة " (¬1) وغيره من أئمة اللغة.
وفي " الصحيحين " من حديث عائشة " وحُبِّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، فيتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد " (¬2).
قال الجوهرى في " الصحاح " (¬3): تحنَّث: تعبَّد واعتزل الأصنام، مثل تحنَّف، وفلان يتحنَّث من كذا: أي يتأثم منه.
قال (¬4): والحنيف: المسلم، والحَنَف: الاعوجاج، وقد يُسمى المستقيم بذلك كما سُمِّي (¬5) الغراب أعور، وأنشد الجوهري قول جِرَان العَوْد (¬6):
ولما رأينَ الصُّبْحَ بادَرْنَ ضوءَهُ ... رَسِيمَ قَطَا البَطْحاء أو هُنَّ أقطَفُ
وأَدرَكْنَ أعجازاً من الليل بعدما ... أقام الصلاةَ العابِدُ المُتَحنِّفُ
وقوله: سُمِّي (5) الغراب أعور، إشارة إلى ما ثبت أنهم يقولون له ذلك لحدة
¬__________
(¬1) انظر ص 331 منه وفيه: فلان يتنجس: إذا فعل فعلاً يخرجه من النجاسة.
(¬2) البخاري (3)، ومسلم (160). وانظر تمام تخريجه في " صحيح ابن حبان " (33).
(¬3) 1/ 280 (حنث).
(¬4) 4/ 1347 (حنف).
(¬5) في (ف): يسمى.
(¬6) قال صاحب " خزانة الأدب " 10/ 18: وجران العود لقب شاعر من بني ضِنَّة بن نمير بن عامر بن صعصعة. والجِران -بكسر الجيم- والعَود -بفتح العين المهملة وسكون الواو وآخره دال مهملة-: هو المسنُّ من الإبل. =