كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
وكذلك نكاح الأمهات، النُّفرة فيها طبيعية لا كُلفة في تركه، ولا تتوقف النفرة عنه على معرفة صحة الشرائع.
الثالث: أنا نعلم ضرورة أن التكليف تعلق بترك ما لا مشقة فيه بنفسه من غير نظرٍ إلى مقدمات الترك، على أن تلك المقدمات الشافة إنما وجب لأجله، فلو كان شرط التكليف المشقة (¬1)، ولا مشقة في المقصود، لزم أن لا يصح التكليف به، فلا يجب التوصل إليه بما فيه مشقة على أن (¬2) تسمية ما لا يتم الواجب إلاَّ به واجباً متنازعٌ فيه، والصحيح أنه ليس بواجب، ولكن لا بد منه، ويظهر ذلك بعدم وجوب نيته، ولا تجب نية (¬3) صوم جزء من الليل، ولا غسل جزء من الرأس، ولا تتعلق به العقوبة.
الوجه الثالث من أصل الجواب: أن قولهم: إن اختيار (¬4) الحسن مع المشقة يوجب الثناء والثواب، ومع غير المشقة يوجب الثناء دون الثواب، يقتضي أن اختيار العبد الذي تصحبه المشقة أرفع مرتبة في استحقاق الحمد والثناء (¬5) من اختيار الرب عز وجل، لأن نزول اختيار الرب عن استحقاق درجة الثواب على هذا الوجه إنما كان بسبب قصوره عن مرتبة داعي العبد الذي قوي على دفع الصوارف، والصبر على المكالف، ولم يشعر المعتزلي أن هذه صفة نقصٍ للعبد تدل على عجزه لا سوى، إذ لا أثر لصارف المشقة مع رجحان داعي الرغبة، حيث إن الفعل يقع عند رجحانه سواءٌ شق أو لم يشق، ولا يقع مع عدم رجحانه شق أو لم يشق، فإنما المشقة من لوازم ضعف العبد، وقلة قدرته لا من لوازم زيادة الثناء والثواب.
¬__________
(¬1) في (ش): فلو كان الشرط التكليف به المشقة.
(¬2) في (ش): لأن.
(¬3) ساقطة من (ش).
(¬4) تحرفت في (ش) إلى: حساب.
(¬5) في (ش): والثواب.
الصفحة 35
388