كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
لهم متوقفة على أفعال الرب الاختيارية في الآخرة، فكما قدر فعل الله في جزائهم، وفعله سبحانه اختياري لا ضرورة فيه ولا جبر، ولم يستلزم وقوع القضاء والقدر فيه نفي (¬1) الاختيار والفوائد، وأنه ينبغي أنه سبحانه لا يفعله لعدم الفائدة فيه (¬2)، أو لعدم القدرة عليه، فكذلك ما قدر من أفعال العباد الاختيارية المطلوبة بالأمر لا يلزم من سبق تقديرها عدم القدرة عليها، ولا عدم الفوائد بها.
ولذلك (¬3) ثبت في " صحيح مسلم " من حديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 48 - 49] إنما أنزلت في القدرية. ورواه الترمذي أيضاً، وقال: حديث حسن صحيح (¬4).
وروي نحوه من طريق ابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وزرارة، وأبي أُمامة، كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم (¬5).
والظاهر أن معناه أنهم احتجوا على حُسْنِ معاصيهم بسبق القدر، فاحتج الله على حسن عذابهم بذلك بعينه (¬6) وهذا في غاية العدل والإفحام، كما ثبت في " الصحيح " أنه سبحانه يقول: " أليس عدلاً مني أن أُوَلِّي كُلاًّ ما تَولَّى " الحديث (¬7).
¬__________
(¬1) " نفي " ساقطة من (ف).
(¬2) " فيه " سقطت من (ف).
(¬3) في (ف): والذي.
(¬4) تقدم تخريجه ص 402.
(¬5) انظر ص 465.
(¬6) " بعينه " ساقطة من (ف).
(¬7) هذا وهم من المؤلف -رحمه الله- فالحديث ليس في أحد الصحيحين، وربما قصد بهذا اللفظ أنه في " المستدرك " للحاكم، فإنه فيه 4/ 589 - 592 مطولاً من حديث ابن مسعود، وهو يطلق الصحة عليه في غير موضع من كتابه هذا، وهو تساهل غير مرضي عند =
الصفحة 375
388