كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)

إلى ترك ما قُدِّر فعله منه، ولا إلى فعل ما قدر تركه منه، ولعل الإشارة إلى ذلك بقوله (¬1): {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: 68].
قال الزمخشري على اعتزاله: هو علمه أن الحذر لا يُغني عن القدر (¬2).
فإن قيل: إنه يلزم من تفسير الجواب النبوي بهذا بطلان الاختيار، وبطلان الجزاء.
قلنا: هو ممنوعٌ بالضرورة شرعاً، فإن الله تعالى مختارٌ في أفعاله مع سبق القدر بها، وممنوعٌ بضرورة العقل بما (¬3) علم ضرورة من استحسان العقلاء (¬4) للأمر والنهي، والمدح والذم، والعمل مع القدر، والفرق الضروري بين حركة المختار وحركة المسحوب والمفلوج.
وتلخيص الكلام في ذلك قد مر في تفسير القدر، وأن وجوب الأقدار، وإمكان الأفعال غير متَّحِد المتعلق، بل هو مفترق باعتبار الجهتين، والله أعلم.
الوجه الثالث: أن وقوع الفعل تبعٌ للقدرة والداعي، سواء حَكَمَ العقل بأنه مُفيدٌ أو ضارٌّ، كوقوع المعصية من المسلم المعترف بأنها ضارة، فإذاً لا معنى للسؤال عن الفوائد، وإنما يسأل عنها من لا يعمل إلاَّ بما (¬5) هو مفيدٌ في معقوله، وأما من يرتكب ما يعلم أنه يضُرُّ، ويستيقن أنه يُوبِقُه في الدنيا والآخرة، تارةً
¬__________
(¬1) في (ف): " في قوله تعالى ".
(¬2) " الكشاف " 2/ 333، والعبارة فيه: هو علمه بأن القدر لا يغني عنه الحذر.
(¬3) في (ف): " لما ".
(¬4) في (ف): " العقل ".
(¬5) " بما " ساقطة من (ف).

الصفحة 377