كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 6)
وسيأتي تعليل التخصيص بالعلم والحكمة، لقوله: {وأضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} [الجاثية: 23]، وقوله في إبراهيم عليه السلام: {وكُنَّا به عالمين} [الأنبياء: 51].
ومنه قوله عز وجل: {ولو شاءَ الله لَجَمَعَهُمْ على الهُدَى} [الأنعام: 35] لا يَصِحُّ تأويله بالإكراه، لأنه يؤدِّي إلى محو اسم الهدى عندهم، لأنه صفة مدح، وهو الاهتداء الذي من فِعْلِ العبد يمدُح عليه (¬1) ويُثاب، وهو الذي لا يذكر مفعولُهُ في آيات كثيرة، أعني مفعوله الثاني المذكور في قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقيم}.
ومثال الآيات التي لا يذكر فيها المفعول الثاني قوله عز وجل: {إنك لا تَهْدِي من أحببتَ ولكنَّ الله يَهْدي من يشاءُ} [القصص: 56]. وكقوله: {يهدي به من يشاءُ من عباده} [الأنعام: 88]، وقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي من يشاءُ} [النمل: 93]، وقوله: {من يَهْدِ الله فهو المُهْتَدي} [الأعراف: 178]، وقوله: {مَنْ يَهْدِ الله فما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر: 37]، وقوله: {فلو شاءَ لَهَدَاكُم أجْمعينَ} [الأنعام: 149].
وحاصلُ الأمر: أن الهدى في كتاب الله على ثلاثة أقسامٍ، ثالثُها مجاز.
القسم الأول: هدىً هو فعل الله عزَّ وجلَّ لجميعِ المكلَّفين وهو نوعان:
النوع الأول: وهو نصبُه الدلالة والتعريف لا اختيار للعبد فيه، وهو من قبيل العلوم الضرورية كالعقل، والعلم الضروري يُسميان هدى، بل هما أساس الهدى، ومن ذلك قوله عز وجل: {وأمَّا ثمودُ فَهَدَينَاهُم} [فصلت: 17]، وقوله تعالى: {الذي قدَّر فَهَدَى} [الأعلى: 3]، وإنما حُذِفَ مفعول " قدَّر "، ومفعول " هدى " للتعميم بدليل سائر الآيات، وقوله عز وجل: {وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}
¬__________
(¬1) في (ش): به.