كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 6)

[الصُّورَةُ] الْأُولَى: إِذَا أَعْلَمَ بِالْوَدِيعَةِ مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ وَيَأْخُذُ أَمْوَالَهُ، ضَمِنَهَا. بِخِلَافِ مَا إِذَا أَعْلَمَهُ غَيْرُ الْمُودَعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمِ الْحِفْظَ. وَلَوْ أَعْلَمَ الْمُودَعُ اللُّصُوصَ بِالْوَدِيعَةِ، فَسَرَقُوهَا، إِنْ عَيَّنَ الْمَوْضِعَ، ضَمِنَ، وَإِلَّا، فَلَا. كَذَا فَصَّلَهُ الْبَغَوِيُّ.
[الصُّورَةُ] الثَّانِيَةُ: ضَيَّعَ بِالنِّسْيَانِ، ضَمِنَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَهُ إِنَاءً مِنْ قَوَارِيرَ، فَأَخَذَهُ الْمُودَعُ بِيَدِهِ لِيُحْرِزَهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَانْكَسَرَ، لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَصَابَهُ بِفِعْلِهِ مُخْطِئًا أَوْ عَامِدًا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ أَوْ بَعْدَمَا وَصَلَهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ. وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا؛ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا:
[لَوِ] انْتَفَعَ بِوَدِيعَةٍ ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا وَقَالَ: ظَنَنْتُهُ مِلْكِي، لَا يُصَدَّقُ مَعَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ قَرِيبٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَلَطَ لَا يَدْفَعُ الضَّمَانَ.
[الصُّورَةُ] الثَّالِثَةُ: إِذَا أَخَذَ الظَّالِمُ الْوَدِيعَةَ قَهْرًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ، كَمَا لَوْ سُرِقَتْ مِنْهُ. وَإِنْ أَكْرَهَهُ حَتَّى يُسَلِّمَهَا بِنَفْسِهِ، فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الظَّالِمِ بِالضَّمَانِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ إِذَا غُرِّمَ، وَلَهُ أَيْضًا مُطَالَبَةُ الْمُودَعِ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ، وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى إِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، هَلْ يُطَالَبُ؟ وَمَهْمَا طَالَبَهُ الظَّالِمُ بِالْوَدِيعَةِ، لَزِمَهُ دَفْعُهُ بِالْإِنْكَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالِامْتِنَاعِ مَا قَدَرَ. فَإِنْ تَرَكَ الدَّفْعَ مَعَ الْقُدْرَةِ، ضَمِنَ. وَإِنْ أَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتَاقٍ، فَحَاصِلُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْحَلِفِ وَبَيْنَ الِاعْتِرَافِ وَالتَّسْلِيمِ. فَإِنِ اعْتَرَفَ وَسَلَّمَ، ضَمِنَ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى زَوْجَتَهُ بِالْوَدِيعَةِ. وَ [إِنْ] حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، طُلِّقَتْ زَوْجَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى الْوَدِيعَةَ بِزَوْجَتِهِ.

السَّبَبُ التَّاسِعُ: الْجُحُودُ. فَإِذَا قَالَ الْمُوَدَعُ: لَا وَدِيعَةَ لِأَحَدٍ عِنْدِي، إِمَّا ابْتِدَاءً، وَإِمَّا جَوَابًا لِسُؤَالِ غَيْرِ الْمَالِكِ، فَلَا ضَمَانَ، سَوَاءٌ جَرَى ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ إِخْفَاءَهَا أَبْلَغُ فِي حِفْظِهَا. وَإِنْ طَلَبَهَا الْمَالِكُ فَجَحَدَهَا، فَهُوَ خَائِنٌ ضَامِنٌ.

الصفحة 342