كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 6)

وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا، بَلْ قَالَ: لِي عِنْدَكَ وَدِيعَةٌ، فَسَكَتَ، لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ أَنْكَرَ، لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْإِخْفَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الطَّلَبِ. فَلَوْ جَحَدَ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ غَلَطْتُ أَوْ نَسِيتُ، لَمْ يَبْرَأْ، إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَالِكُ.
فَرْعٌ
مَنْ أَنْكَرَ وَدِيعَةً ادُّعِيَتْ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالْإِيدَاعِ، أَوِ اعْتَرَفَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، طُولِبَ بِهَا. فَإِنِ ادَّعَى رَدَّهَا أَوْ تَلَفَهَا قَبْلَ الْجُحُودِ أَوْ بَعْدَهُ، نُظِرَ فِي صِيغَةِ جُحُودِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِيدَاعِ، لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ الرَّدَّ؛ لِتَنَاقُضِ كَلَامِهِ وَظُهُورِ خِيَانَتِهِ. وَأَمَّا فِي دَعْوَى التَّلَفِ، فَيُصَدَّقُ، لَكِنَّهُ كَالْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ.
وَهَلْ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْلِيفِ الْمَالِكِ؟ وَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الرَّدِّ أَوِ التَّلَفِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَسِيَ فَصَارَ كَمَنِ ادَّعَى وَقَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي، ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ تُسْمَعُ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالرَّدِّ أَوِ الْهَلَاكِ قَبْلَ الْجُحُودِ، سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ قَامَتْ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ الْجُحُودِ، ضَمِنَ، لِخِيَانَتِهِ. وَقَدْ حَكَيْنَا فِي أَلْفَاظِ الْمُرَابَحَةِ إِذَا قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، أَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ لَا يَذْكُرَ وَجْهًا مُحْتَمَلًا فِي الْغَلَطِ، وَبَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمِثْلِهِ هُنَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُتَّجِهَةٌ. وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ جُحُودِهِ: لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إِلَيْكَ، أَوْ مَا لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَوْ شَيْءٌ، صُدِّقَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَاقِضُ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ. فَإِنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا يَوْمَ الْجُحُودِ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَإِنِ ادَّعَى الْهَلَاكَ، فَكَالْغَاصِبِ إِذَا ادَّعَاهُ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيَضْمَنُ.

الْحُكْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ: رَدَّهَا عِنْدَ بَقَائِهَا، فَإِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ بَاقِيَةً، لَزِمَ الْمُودَعَ رَدُّهَا إِذَا طَلَبَهَا الْمَالِكُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الرَّدِّ وَتَحَمُّلُ

الصفحة 343