كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 6)

أَمَّا الْأَوَّلُ، فَيَجُوزُ كَوْنُهُ شَخْصًا مُعَيَّنًا وَجَمَاعَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ فَيَقُولُ: مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا.
وَأَمَّا مَحَلُّهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ النَّفَلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْمُرْصَدَةِ بِبَيْتِ الْمَالِ، وَحِينَئِذٍ يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ مَعْلُومًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَهُ مِمَّا سَيُغْنَمُ وَيُؤْخَذُ مِنَ الْكُفَّارِ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَحِينَئِذٍ يَذْكُرُ جُزْءًا كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ وَغَيْرِهِمَا، وَيَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ لِلْحَاجَةِ. وَإِذَا نَفَّلَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَمِمَّ يُنَفِّلُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، وَيُقَالُ: أَقْوَالٌ. أَصَحُّهَا: مِنْ خُمُسِ خُمُسِهَا. وَالثَّانِي: مِنْ أَصْلِهَا. وَالثَّالِثُ: مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا.
وَأَمَّا قَدْرُهُ، فَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَضْبُوطٌ، فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وَيَجْعَلُهُ بِقَدْرِ الْعَمَلِ وَخَطَرِهِ، وَقَدْ صَحَّ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ ((الْقُفُولُ)) بَدَلَ ((الرَّجْعَةِ)) ، وَقِيلَ: الْبَدْأَةُ: السَّرِيَّةُ الْأُولَى، وَالرَّجْعَةُ: الثَّانِيَةُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْبَدْأَةُ: السَّرِيَّةُ الَّتِي يَبْعَثُهَا الْإِمَامُ قَبْلَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ مُقَدِّمَةً لَهُ، وَالرَّجْعَةُ: الَّتِي يَأْمُرُهَا بِالرُّجُوعِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْجَيْشِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. وَنُقِصَ الْبَدْأَةُ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَرِيحُونَ لَمْ يَطُلْ بِهِمُ السَّفَرُ، وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ فِي غَفْلَةٍ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مِنْ وَرَائِهِمْ يَسْتَظْهِرُونَ بِهِ، وَالرَّجْعَةُ بِخِلَافِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْحَدِيثِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَحَلِّ النَّفَلِ، فَقِيلَ: الْمُرَادُ، ثُلُثُ خُمُسِ الْخُمُسِ، أَوْ رُبُعُهُ. وَقِيلَ: ثُلُثُ الْجَمِيعِ، أَوْ رُبُعُهُ. وَقِيلَ: ثُلُثُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا، أَوْ رُبُعُهَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ: أَنَّهُ يُزَادُ نَصِيبُ كُلُّ شَخْصٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، وَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَالنَّقْصُ عَنِ الرُّبُعِ بِالِاجْتِهَادِ.

الصفحة 369