كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 6)

فَصِلٌ
فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ
مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ اسْتَحَقَّهُ، قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَصْلِ صُوَرٌ.
إِحْدَاهَا: مَنْ حَضَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، اسْتَحَقَّ. وَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمَالِ، فَلَا وَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَقَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ، فَقَوْلَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَسْتَحِقُّ. وَالثَّانِي: بَلَى. وَقِيلَ: إِنْ خِيفَ رَجْعَةُ الْكُفَّارِ، اسْتَحَقَّ. وَإِلَّا، فَلَا. وَلَوْ أَقَامُوا عَلَى حِصْنٍ وَأَشْرَفُوا عَلَى فَتْحِهِ، فَلَحِقَ مَدَدٌ قَبْلَ الْفَتْحِ، شَارَكُوهُمْ. وَإِنْ فَتَحُوا وَدَخَلُوا آمِنِينَ، ثُمَّ جَاءَ الْمَدَدُ، لَمْ يُشَارِكُوهُمْ.
[الصُّورَةُ] الثَّانِيَةُ: غَابَ فِي أَثْنَاءِ الْقِتَالِ مُنْهَزِمًا وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى انْقَضَى الْقِتَالُ، فَلَا حَقَّ لَهُ. وَإِنْ عَادَ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، اسْتَحَقَّ مِنَ الْمَحُوزِ بَعْدَ عَوْدِهِ دُونَ الْمَحُوزِ قَبْلَ عَوْدِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ حَضَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ: لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَحُوزِ قَبْلَ حُضُورِهِ. كَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ كُنَّا أَطْلَقْنَاهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو الْفَرَجِ مُتَعَيِّنٌ، وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ وَلَّى مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ، اسْتَحَقَّ عَلَى تَفْصِيلٍ مَذْكُورٍ فِي ((كِتَابِ السِّيَرِ)) ، وَمَنْ هَرَبَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُتَحَرِّفًا أَوْ مُتَحَيِّزًا، قَالَ الْغَزَالِيُّ: يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ. وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ حَلَفَ، اسْتَحَقَّ مِنَ الْجَمِيعِ. وَإِنْ نَكَلَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ إِلَّا مِنَ الْمَحُوزِ بَعْدَ عَوْدِهِ.

الصفحة 377