كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 6)
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: §مَا أَحْرَقَتِ النَّارُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا وَثَاقَهُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا مُجَاشِعُ بْنُ عُمَرَ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: §لَمَّا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ أَسْرِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ عِظَامَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَدْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْنَ مَوْضِعُ قَبْرِهِ؟ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهَا: سِرَاجٌ، فَكَانَتْ كُلَّمَا حَضَرَ أَجَلُهَا مَدَّ اللهُ تَعَالَى فِي عُمْرِهَا إِلَى أَنْ أَدْرَكَتْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَتْ لِمُوسَى: أَنَا أُخْبِرُكُ بِمَوْضِعِ قَبْرِ يُوسُفَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي ثَلَاثَ خِصَالٍ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: تَدْعُو اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّ شَبَابِي كَمَا كُنْتُ أَوَّلًا، قَالَ: لَكِ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَتَحْمِلُنِي مَعَكَ قَالَ: لَكِ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَأَكُونُ مَعَكَ فِي دَرَجَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَبَكَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّ الْجَنَّةَ بِيَدِي فَأَعْطِهَا مَا سَأَلَتْ، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَكِ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَإِنَّ قَبْرَهُ فِي هَذِهِ الْجَزِيرَةِ وَقَدْ غَلَبَهُ الْمَاءُ قَالَ: فَأَخَذَ مُوسَى قِحْفَيْنِ فَكَتَبَ عَلَيْهِمَا اسْمَ اللهِ الْأَعْظَمَ ثُمَّ أَلْقَى أَحَدَ الْقِحْفَيْنِ فِي جَانِبِ الْجَزِيرَةِ وَأَلْقَى الْقِحْفَ الْآخَرَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَانْحَسَرَ الْمَاءُ عَنِ الْجَزِيرَةَ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: هُنَا مَوْضِعُ قَبْرِهِ، فَابْتَدَرَهُ الشُّبَّانُ فَوَجَدُوا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَابُوتٍ مِنْ مَرْمَرٍ فَاحْتَمَلُوهُ فَحَمَلُوهُ مَعَهُ قَالَ: وَقَارُونُ يَرْمُقُ الْقِحْفَيْنِ فَأَخَذَهُمَا فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِمَوْضِعِ كَنْزٍ إِلَّا وَضَعَ الْقِحْفَيْنِ عَلَيْهِ فَانْشَقَّتِ الْأَرْضُ فَاسْتَخْرَجَ الْكَنْزَ مِنْهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] يَعْنِي بِهِ الْقِحْفَيْنِ وَمَا كَانَ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئًا
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: §كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْرِي الضَّيْفَ وَيَرْحَمُ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ الْأَضْيَافُ حَتَّى اسْتَرَابَ لِذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَى الطَّرِيقِ -[28]- يَطْلُبُ، فَجَلَسَ فَمَرَّ بِهِ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي صُورَةِ رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ سَأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ السَّبِيلِ قَالَ: إِنَّمَا قَعَدْتُ هَهُنَا لِمِثْلِكَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمَّا رَآهُ إِسْحَاقُ عَرَفَهُ فَبَكَى إِسْحَاقُ فَلَمَّا رَأَتْ سَارَةُ إِسْحَاقَ يَبْكِي بَكَتْ لِبُكَائِهِ، فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ تَبْكِي بَكَى لِبُكَائِهَا، فَلَمَّا رَأَى مَلَكُ الْمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ يَبْكِي بَكَى لِبُكَائِهِ ثُمَّ صَعِدَ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَلَمَّا أَفَاقُوا غَضِبَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: بَكَيْتُمْ فِي وَجْهِ ضَيْفِي حَتَّى ذَهَبَ. قَالَ إِسْحَاقُ: لَا تَلُمْنِي يَا أَبَتِ فَإِنِّي رَأَيْتُ مَلَكَ الْمَوْتِ مَعَكَ وَلَا أَرَى أَجَلَكَ إِلَّا قَدْ حَضَرَ فَارْثِ فِي أَهْلِكَ - أَيْ أَوْصِ - وَكَانَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْتٌ يَتَعَبَّدُ فِيهِ فَإِذَا خَرَجَ أَغْلَقَهُ لَا يدْخُلُهُ غَيْرُهُ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ فَفَتَحَ بَيْتَهُ الَّذِي يَتَعَبَّدُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِسٍ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ أَدْخَلَكَ؟ بِإِذْنِ مَنْ دَخَلْتَ؟ قَالَ: بِإِذْنِ رَبِّ الْبَيْتِ دَخَلْتُ، قَالَ: رَبُّ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَصَلَّى وَدَعَا كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَصَعِدَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقِيلَ لَهُ: مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ عَبْدٍ لَكَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَهُ خَيْرٌ مِنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: مَا رَأَيْتَ مِنْهُ. قَالَ: مَا تَرَكَ خَلْقًا مِنْ خَلْقِكَ إِلَّا وَقَدْ دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ فِي دِينِهِ وَمَعِيشَتِهِ ثُمَّ مَكَثَ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ جَاءَ فَفَتَحَ بَابَهُ فَإِذَا هُوَ فِيهِ بِرَجُلٍ جَالِسٍ قَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ، قَالَ إِبْرَاهِيمَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَرِنِي مِنْكَ آيَةً أَعْرِفُ أَنَّكَ مَلَكُ الْمَوْتِ قَالَ: أَعْرِضْ بِوَجْهِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ: ثُمَّ أَقْبَلَ فَأَرَاهُ الصُّورَةَ الَّتِي يَقْبِضُ فِيهَا أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَرَأَى مِنَ النُّورِ وَالْبَهَاءِ شَيْئًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ قَالَ: أَعْرِضْ بِوَجْهِكَ ثُمَّ قَالَ: انْظُرْ، فَأَرَاهُ الصُّورَةَ الَّتِي يَقْبِضُ فِيهَا الْكُفَّارَ وَالْفُجَّارَ فَرُعِبَ إِبْرَاهِيمُ رُعْبًا شَدِيدًا حَتَّى الْتَزَقَ بَطْنُهُ بِالْأَرْضِ وَكَادَتْ نَفْسُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ تَخْرُجَ، فَقَالَ: أَعْرِفُ فَانْظُرِ الْأَمْرَ الَّذِي أُمِرْتَ بِهِ فَامْضِ لَهُ فَصَعِدَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقِيلَ لَهُ: تَلَطَّفْ بِإِبْرَاهِيمَ، فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي عِنَبٍ لَهُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَمَّا رَآهُ إِبْرَاهِيمُ رَحِمَهُ فَأَخَذَ مِكْتَلًا ثُمَّ دَخَلَ عِنَبَهُ فَقَطَفَ مِنَ الْعِنَبِ فِي مِكْتَلِهِ ثُمَّ جَاءَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: كُلْ فَجَعَلَ يَمْضَغُ وَيُرِيهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَيَمُجُّهُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَصَدْرِهِ فَعَجِبَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ -[29]-: مَا أَبْقَتِ السُّنُونُ مِنْكَ شَيْئًا كَمْ أَتَى لَكَ؟ فَحَسَبَ مُدَّةَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إِنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ أَتَى لِي مِثْلُ هَذَا، وَإِنَّمَا انْتَظِرْ أَنْ أَكُونَ مِثْلَكَ اللهُمَّ اقْبِضْنِي إِلَيْكَ قَالَ: فَطَابَتْ نَفْسُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَبَضَ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ
الصفحة 27