كتاب الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (اسم الجزء: 6)
وغزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الغزوة حين طابت الثِّمار والظِّلال، وتجهَّز رسول الله والمسلمون معه، فطفِقْتُ أغدو لكي أتجهَّز معهم، فأرجع ولم أقضِ شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي؛ حتى اشتدَّ بالنَّاس الجِدُّ، فأصبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون معه، ولم أقْضِ مِن جَهازي شيئاً، فقلتُ: أتجهَز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحقُهُم، فغدوْتُ بعد أن فَضَلوا لأتجهَّزَ، فرجعْتُ ولم أقْضِ شيئاً، ثم غَدَوْتُ، ثم رجَعْتُ ولم أقْضِ شيئاً.
فلم يَزَلْ بي حتى أسرعوا، وتفارطَ الغزو (¬1)، وهَمَمْتُ أنْ أرتَحِل فأدرِكهم -وليتني فعَلْت فلم يُقدَّر لي ذلك- فكنتُ إِذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فطُفْتُ فيهم؛ أحزَنَني أنِّي لا أرى إِلا رجلاً مغموصاً (¬2) عليه النِّفاق، أو رجلاً ممَّن عذَرَ الله من الضُّعفاء.
قال كعب بن مالك: "فلمَّا بَلَغَني أنَّه توجَّه قافلاً (¬3)؛ حَضَرني همِّي، وطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكذب، وأقول: بماذا أخرُجُ من سَخَطه غداً؟ واستَعَنْتُ على ذلك بكلِّ ذي رأيٍ من أهلي، فلمَّا قيل: إِنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أظلَّ قادماً؛ زاح عنِّي الباطل، وعرفْتُ أنِّي لن أخرجَ منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجْمَعْتُ صِدقَه.
¬__________
(¬1) أي: فات وسبق.
(¬2) أي: مطعوناً عليه في دينه، متَّهماً بالنَِّفاق، وقيل: معناه: مُستحقراً، تقول: غَمَصْتُ فلاناً: إِذا استحقرْته. "النهاية".
(¬3) القفول: الرُّجوع من السَّفر.