كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 6)

أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ فلمّا لزمتهم الحجّة وعجزوا عن الجواب قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.
قال ابن عمر «1» : إنّ الذي أشار عليهم بتحريق إبراهيم رجل من الأكراد، قال شعيب الجبّائي: اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، قالوا: فلمّا جمع نمرود قومه لإحراق إبراهيم حبسوه في بيت وبنوا بنيانا كالحظيرة فذلك قوله قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ «2» ثم جمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب حتى إن كانت المرأة لتمرض فتقول لئن عافاني لأجمعنّ حطبا لإبراهيم، وكانت المرأة تنذر في بعض ممّا تطلب ممّا تحبّ أن تدرك لئن أصابته لتحتطبنّ في نار إبراهيم التي يحرق بها احتسابا في دينها.
قال ابن إسحاق: كانوا يجمعون الحطب شهرا، قالوا: حتى إذا أكثروا وجمعوا منه ما أرادوا أشعلوا في كلّ ناحية من الحطب، فاشتعلت النّار واشتدّت حتّى أن كان الطّير لتمرّ بها فتحرق من شدّة وهجها، ثمّ عمدوا إلى إبراهيم فرفعوه على رأس البنيان وقيّدوه، ثم اتخذوا منجنيقا ووضعوه فيه مقيّدا مغلولا، فصاحت السموات والأرض ومن فيهما من الملائكة وجميع الخلق إلّا الثّقلين صيحة واحدة: أي ربّنا، إبراهيم ليس في أرضك أحد يعبدك غيره يحرق فيك فائذن لنا في نصرته، فقال الله سبحانه وتعالى لهم: إن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره، فقد أذنت له في ذلك، وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به، وأنا وليّه فخلوا بيني وبينه فلمّا أرادوا إلقاءه في النّار أتاه خازن المياه فقال: إن أردت أخمدت النّار فإنّ خزائن الأمطار بيدي، وأتاه خازن الرياح فقال: إن شئت طيّرت النار في الهواء، فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليكم، ثم رفع رأسه إلى السّماء فقال: اللهمّ أنت الواحد في السّماء وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وروى المعتمر عن أبي بن كعب عن أرقم أنّ إبراهيم قال حين أوثقوه ليلقوه في النار: لا إله إلّا أنت سبحانك ربّ العالمين، لك الحمد ولك الملك، لا شريك لك، قال: ثمّ رموه في المنجنيق إلى النّار من مضرب شاسع فاستقبله جبرئيل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أمّا إليك فلا، قال جبرئيل: فاسأل ربّك؟ فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي، فقال الله سبحانه يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ قال السدّي: كان جبرئيل هو الذي ناداها.
قال ابن عباس: لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها، فلم تبق يومئذ نار في الأرض إلّا طفئت ظنت أنّها هي تعنى.
__________
(1) في نسخة أصفهان: أبو عمر. [.....]
(2) الصافّات: 97.

الصفحة 281