كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 6)

قَالَ: وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ: §مَا حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنِ السُّدِّيِّ بِحَدِيثٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ إِلَّا كَانَ كَمَا حَدَّثَنِي، قَالُ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ سُفْيَانَ أَخَذَ مَرَّةً مِنْ بَعْضِ الْولَاةِ مَالًا وَصِلَةً ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا , وَكَانَ يَأْتِي الْيَمَنَ فَيَتَّجِرُ , وَكَانَ يُفَرِّقُ مَا عِنْدَهُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ إِخْوَانِهِ يَبْضَعُونَ لَهُ بِهِ , وَيُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلَّ عَامٍ فَيَلْقَاهُمْ وَيُحَاسِبُهُمْ وَيَأْخُذُ مَا رَبِحُوا , وَكَانَ مَا بِيَدَيْهِ نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ دِينَارٍ , وَكَانَ لَهُ ابْنٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ فَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: مَا فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ , وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أُقَدِّمَهُ قَالَ: فَمَاتَ ابْنُهُ ذَاكَ فَجَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِهِ لِأُخْتِهِ وَوَلَدِهَا , وَكَانَ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنَ أُخْتِهِ وَلَمْ يُورِّثْ أَخَاهُ الْمُبَارَكَ بْنَ سَعِيدٍ شَيْئًا , قَالَ: وَطُلِبَ سُفْيَانُ فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ , فَكَتَبَ الْمَهْدِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ يَطْلُبُهُ، فَبَعَثَ مُحَمَّدُ إِلَى سُفْيَانَ فَأَعْلَمَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ إِتْيَانَ الْقَوْمِ فَاظْهَرْ حَتَّى أَبْعَثَ بِكَ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كُنْتَ لَا تُرِيدُ ذَلِكَ فَتَوَارَ قَالَ: فَتَوَارَى سُفْيَانُ وَطَلَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى بِمَكَّةَ مَنْ جَاءَ بِسُفْيَانَ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَزَلْ مُتَوَارِيًا بِمَكَّةَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ لَا يَخَافُهُ
فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ الْحَنَّاطِ، قَالَ: بَعَثَتْ أُخْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَعِي بِجِرَابٍ إِلَى سُفْيَانَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فِيهِ كَعْكٌ وَخُشْكُنَانِجُ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ لِي إِنَّهُ رُبَّمَا قَعَدَ دُبُرَ الْكَعْبَةِ مِمَّا يَلِي بَابَ الْحَنَّاطِينَ , قَالَ: فَأَتَيْتُهُ هُنَاكَ وَكَانَ لِي صَدِيقًا , فَوَجَدْتُهُ مُسْتَلْقِيًا فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْأَلْنِي تِلْكَ الْمُسَاءَلَةَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيَّ كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ , فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أُخْتَكَ بَعْثَتْ إِلَيْكَ مَعِي بِجِرَابٍ فِيهِ كَعْكٌ وَخُشْكُنَانِجُ قَالَ: فَعَجِّلْ بِهِ عَلَيَّ , وَاسْتَوَى جَالِسًا فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَتَيْتُكَ وَأَنَا صَدِيقُكَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْكَ فَلَمْ تُرَدَّ عَلَيَّ ذَاكَ الرَّدَّ , فَلَمَّا أَخْبَرْتُكَ

الصفحة 372